بناء على مُجمل التطوّرات الراهنة وطنيا خلال الأيّام الماضية وخاصة بعدما جدّ من أحداث نهاية الاسبوع الفارط…
ن مُواجهات بحي التضامن و حي الانطلاقة بالعاصمة بين مجموعات من الأفراد (بعضهم محسوب على تيار أنصار الشريعة) و قوات الأمن الداخلي على خلفية منع انعقاد مؤتمر هذه الجماعة الذي دعت لانعقاده خارج إطار القانون في البداية ( تصريحات مسؤولي التيار والقريبين منه الخميس 18 ماي 2013)، وعلى اثر سقوط ضحايا و جرحى بين المحتجين و في صفوف قوات الأمن، فانه يحق التساؤل: هل خدمت الاحداث الأخيرة الثورة التونسية أم كرست منطق أنّنا نُراوح مكاننا من حيث تحقيق أهدافها واستكمال مهامها؟
و للاجابة على هذا السؤال لابد من التعاطي مع الاحداث الأخيرة بنوع من الحذر والانتباه الى جملة من المحاذير، وعندئذ لابد من ابداء جملة من المعطيات والاستنتاجات الأولية فقط لا غير، لأنّ تحليل أبعاد تلك الاحداث يصبح ضربا من الخيال نتاج تقاطع الامني والمخابراتي والسياسي مع التطوّرات في مجمل المجالات وتقاطعها مع الاقليمي والدولي في ظل انسياب حتى لا أقول انفلات اعلامي من حيث تعدد المواقف والتصريحات والتقارير والاخبار المتضاربة وهو ما يعني آليا استنتاج أنّه لا يمكن بأيّ شكل فرز تطور الاحداث والممارسة السياسية وتداخل مجالات شتى خاصة في ظل تطور نسق الاحداث وتراتبيتها الكبيرة:
* تأسّف كل التونسيين وجميع الفرقاء عما نجم عن تلك الاحداث من سقوط ضحايا، وعزّت أغلب االاطراف عائلة الضحية المُتوفّي و حمّل السياسيون والناشطون من دعا الى الاحتجاج ومن ركب على موجة تلك الاحداث، المسؤولية الأخلاقية و السياسية لحصيلة الأحداث الدامية و دعوا إلى عدم الانسياق وراء دعوات التصعيد و التمسك بالحوار و لغة العقل لحل كل المشاكل مهما بدت مُستعصية .
* حيّت كل الاطراف السياسية، احترام القانون و حماية كيان الدولة و مؤسساتها و أكّدت وقوفها إلى جانب قوات الأمن و الجيش الوطني و أكبرت تضحياتهم و تفانيهم في حماية الوطن من كل الاخطار المحدقة ومن الثورة المضادة بغض النظر عن اختلاف الفرقاء في تعريفها ومكوناتها.
* كانت وزارة الشؤون الدينية في الموعد حيث نددت بما حدث من تجاوزات وعنف وتخريب، كما دعت الى الحوار مع الشباب المتدين والتواصل معه و الأخذ بيده في ظل مناخات الحرية المتوفرة بفضل ثورة الحرية والكرامة كما دعت الائمة والدعاة وكل الناشطين في مجال الدعوة الى حسن استثمار مناخ الحريات في بلادنا والدعوة بأسلوب الحكمة واللين والموعظة الحسنة ، وهو ما تجلّى في الندوة الصحفية التي عقدها الوزير صبيحة الاربعاء 22 ماي 2013، أو من خلال تصريحات ممثلي الوزارة لمختلف وسائل الاعلام، بل أن الوزارة دعت الاطراف الاسلامية بجيمع أطيافها و مكوناتها الى الحوار وتم عقد جلسة صباح الخميس 23 ماي 2013.
* هناك العديد من العقلاء في التيار الجهادي، حريصون على مصلحة البلاد والاسلام، ورغم عوامل الاختراق والتوظيف والارباك التي يمارسها البعض باسم هذا التيار أو محاولة جعله وسيلة لحرق الثورة والبلاد، فقد تبين من خلال الاحداث الاخيرة للجميع عديد المعطيات البديهية التي كانت غائبة عن الرأي العام، كما بان للجميع حرص بعض الشيوخ السلفيين على التهدئة وسلك ابواب الحوار وهو ما تجسد في بيان صبيحة الاحد الماضي، كما تبين موقع رجال الدعوة في حركة النهضة الذين بينوا قدرتهم على الفعل والتواصل مع شباب الصحوة الاسلامية رغم بعض محاولات الارباك الاعلامي ضد اشخاصهم وضد حركتهم التي سقطت في اتون العمل السياسيي اليومي وغيبت حضورها في المجالات الدعوية والثقافية.
* أصبح كل الفرقاء على وعي كامل بضرورة وضع ملامح خطة وطنية شاملة تشارك فيها السلطة و أحزاب المعارضة و منظمات المجتمع المدني و الأئمة والخطباء والوعاظ لمواجهة التطرف بأنواعه و الإرهاب و هزمه، كما أن هناك توافق شبه كلي على رفض الاستفزاز الذي يُمارسه البعض ضد التدين و دين الشعب وهويته و تجاوز ما خلفته سياسات تجفيف منابع التدين وتلويث منابعه في العهد الغابر.
* أصبحت الضرورة ملحة على أهمية وضع توافقات الحوار الوطني حيز التنفيذ بما يطمئن التونسيين على مستقبلهم و يشجعهم على الانخراط أكثر في العمل المدني السلمي و قطع الطريق على كل محاولات الانحراف بالمسار الانتقالي لبلادنا .
* بان جليا أن الاحداث الاخيرة أريد لها أن تكون محطة جديدة للثورة المضادة وكخطوة تالية لسيناريو الارهاب في الشعانبي (بغض النظر عن تفاصيل احداث الشعانبي ومقدماتها وتفاصيلها التراتبية)، خاصة وأن هوية بعض المحتجين ( وليس جميعهم) في حي التضامن والطبيعة الاجرامية للبعض الآخر وسن بعض الشبان الذين كانوا في مسرح الاحداث، قد أكدت أن بارونات المال والتنفذ في العهد السابق مازالت تراهن على خلق محاور جديدة نتيجة فشل سلسلة الانقلابات البيضاء منذ بادية 2012 الى الآن.
* أن الحكومة الحالية وان كانت شرعية وتعمل جاهدة لتنفيذ برامجها وان نجحت بشكل نسبي في ملفات عدة مقابل بقاء أخرى عالقة، كما لابُدّ لها من مزيد اكتساب عقلية الحزم الاداري وضبط الامور ودفع نسق العمل ثوريا والتخلي عن سمات الضعف والتردد والارتجال لان هذه السمات ذاتها هي التي فتحت أعين الفاسدين القدامى وايتام النظام السابق للعودة بل و الجرأة على الثورة ومكتسباتها فالفاسد الذي لا يحارب ولا يحاسب سينطلق الى أخذ مساحات جديدة لفساده السابق مستعينا بعوامل الخبرة والتجربة والمال والعلاقات.
والخلاصة ان الاحداث وان لم يفرح أحد لوقوعها وتمنى الجميع تجنبها إلا أنها من حيث النتائج الكبرى أوقفت عمليا الثورة المضادة و أعاقت مخططاتها وكشفت جزء من معالمها بشكل جلّي، كما أن الحكومة الحالية ستجد نفسها مطلوقة الايدي تراتبيا في التصدي لكل مظاهر العشوائية والانفلات فلا سبيل مستقبلا لقطع الطرق او لتنظيم اي نوع من أنواع الاحتجاج خارج القانون وسيادته، وعمليا اصبحت فزاعة السلفيين خرقة بالية لا يمكن اشهارها مستقبلا كما أن الإرهاب لن يجد له مكانا او موقعا ، و أخيرا فإن الاحاث الاخيرة وان بينت دهاء الثورة المضادة وكشفته للعيان فانها خدمت ولو بشكل نسبي الثورة التونسية وستسمح لها في قادم الأسابيع بالدفع نحو تحقيق أهدافها واستكمال مهامها وحتى يمكن فعليا اسعاد التونسيين كل التونسيين والجهات كل الجهات والاحياء كل الاحياء و الشعبية منها خاصة، وقادم الايام ستضع هذه الاستنتاجلت قيد الاختبار ومدى صحتها من عدمه.