رغم الفشل الذريع لماكينة الثورة المضادة بعد أكثر من سنة ونصف من انتخابات 23 أكتوبر، من حيث حبك المؤامرات…
سلسلة الفشل المستمر للانقلابات البيضاء، ها هي نفس الماكينة تُجدّد نفسها وتعود الآن و بأشكال متعددة مما يحيلنا إلى السؤال الجديد والمتجدد يوميا : أين قوى الثورة؟، و أين بُعدها الاستراتيجي في ضرورة التصدّي للأبعاد السرطانية الجديدة لقوى الثورة المضادة ذات الأرواح السبع؟
· نقاط استفهام عديدة
من الطبيعي أن تعمد بعض القوى السياسية إلى تبرير بعض المواقف المثيرة للجدل، بعوامل الواقعية السياسية وحسن قراءة الواقع الإقليمي والدولي ومصلحة البلاد في التلاؤم مع بعض المطبات و انتهاج منطق التراجع إلى الوراء بهدف التقدم بعد ذلك خطوتين إلى الأمام، لكن بعض المواقف والتطورات الأخيرة تُحيل في ذهن كل وطني غيور إلى جملة من نقاط الاستفهام العديدة، فقد سئم البعض من شباب الثورة من مواقف آلة التبرير، فماذا تعني مثالا لا حصرا تصريحات رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي ضد قانون تحصين الثورة؟ و ماذا يعني الصمت شبه المطبق من الاعتداء السافر على سجينات اعتصام القصبة؟ وماذا يعني تواصل المعاناة المأسوية لعائلات ضحايا القمع والاستبداد؟ وماذا يعني تواصل تغلغل التجمعيين والفاسدين في بعض مفاصل الإدارة؟ و ما هي أسباب استخفاف البعض من المنشطين والإعلاميين بوعي التونسيين وتاريخهم وهوية تونس وشعبها الأبيّ؟ ولماذا يصمت البعض ولا يبدي حراكا أو مواقف جادة من التصريحات المُخيفة لوزارة الداخلية بشان استنفار كل أعوانها و كأنّها مُقدمة على حرب شعواء؟
ألم يكلفنا الصمت أمام تصريحات جلّاد الستينات في بداية فيفري الماضي بحل المجلس التأسيسي الكثير و أربك البلد لمدة أيّام كنا فيها أمام محاولة انقلابية فاشلة؟، و ماذا تعني تصريحات بلقاسم العيّاري من أن الاتحاد لن يوقف الإضرابات حتى لا يضطر لغلق الحانوت؟، ولماذا تُفرّط قوى التديّن المعتدلة اليوم في بعض المساجد ( حوالي 70 مسجدا من أصل 5000 وفقا لتصريحات مسؤولي الوزارة) لأنصار الفوضى و خطاب التقاتل والتكفير خاصة أمام تغييب حركة النهضة الإسلامية في البُعد الدعوي لمشروعها بعد أن كانت الدعوة الوجه الأبرز لمشروعها خلال حقبتي السبعينات والثمانينات؟
وكيف تصمت قوى الثورة على منطق بعض "الحداثويين" في ملفات عدة؟ وكيف تكون المواقف باهتة إزاء إهانة أولئك لرئيس الدولة، وكأنه تحدث عن مُنكرات(حق المنقبات في إجراء الامتحانات) بينما هو عبّر عن البُعد الحقوقي في شخصيته ومهمته الرئاسية؟
و ما موقف حكومة الترويكا وأحزابها وكل الأحزاب و مُكوّنات المجتمع المدني من استمرار حالة الفوضى العامة لضبابية الرؤية و غياب خطاب بديل جامع بإمكانه أن يفرض القضايا الحقيقية رغم ما حققته جلسات الحوار من توافق تاريخي؟ ما موقفهم من تعفن المشهد السياسي و الإعلامي و الاجتماعي عموما إلى الحد الذي صار فيه التشاؤم هو سيّد الموقف؟ ، بينما المواطن يبحث عن خطاب مطمئن و باثّ للأمل في تونس الأمن والآمان والحرية والاستقرار ومستقبل زاهر للأبناء و الأحفاد والأجيال القادمة وأن تتحول تونس إلى نموذج يُحتذى ومثال يُقتدى.
آمال الشعب التونسي واعدة و كبيرة
إنّ الشعب يبحث عن قوى تدافع عنه وعن خياراته وخصوصيات هذا البلد الراسخة في التاريخ، و لقد صوّت هذا الشعب للقُوى الثورية والمُعتدلة وهو سيُعيد منحها ثقته ما التزمت بذلك، وهو يُقدّر الصعاب والتحديات ولكنه لن يصمت عن التفكك الخطير الذي يعصف بالنسيج الاجتماعي و الثقافي للبلاد ، خاصة بعد أن حاول البعض من أنصار الثورة المضادة أن يجعل الإسلام موضوعا للخلاف و الصراع و التقاتل...
و إذا كانت هذه النتيجة المأساوية بكل أبعادها نتيجة مؤامرة، فان السؤال هو: لماذا تنكرها حكومة الترويكا؟، و لماذا يصمت إعلاميونا ونخبنا ومُحلّلينا عن ذلك؟
إن تحصين الثورة حتى ضد المتآمرين عليها من داخل الترويكا نفسها أمر لابُدّ من الوعي به أيضا و لابُدّ أن نُعطى ملف الانتقالية لمن يؤمن فعلا بحق الشعب في هذه العدالة حتى ننتهي أخيرا من سيطرة الفاسدين من الإعلاميين و القضاة و رجال المال و السياسة على مسار الثورة و تعود الثورة لأصحابها الحقيقيين وهم عمليا ضحايا التفقير و الاستبداد والتهميش والقمع المُمنهجين طوال أكثر من 56 سنة من حكم حزب الواحد حزب الدستور أو التجمع في نسخته "النوفمبرية"، و أنّ على حكومة السيد علي لعريض أن تُعطى المسؤولية للأكفّاء حقا وأن تقلع عن منطق الترضيات، و أن يكون الجزء الأهمّ من الكفاءة في مرحلة الانتقال الثوري هو الوفاء لروح الثورة و ووجود الشجاعة الكافية للقطع مع الماضي و إنفاذ مطالب الشعب ولابد أن تكون لدينا أحزاب حقيقية تُدار حول برامج و خيارات و مؤسسات و ليس حول قيادات لا تمتلك الشجاعة الأخلاقية لإعطاء المشعل الثوري والذي سيبقى وقّادا، أمّا قوى الثورة المضادة فالشعب كفيل بهم وبطُرقه الخاصة ووسائله في كل مدينة وفي كل قرية بل وفي كل حيّ، وهو يعرف هويتهم وممارساتهم وتلونهم وكل طباعهم وتاريخهم وفسادهم مما يعني آليا أن قانون تحصين الثورة سينجز ميدانيا بغض النظر عن مروره أو تمريره، و ستنبأنا الصناديق بذلك في الانتخابات القادمة فعدلوا ساعاتكم و مواقفكم يا سادة على نبض المواطن و دعكم من التردّد والبطء لأنّ التاريخ والتجارب علّمتنا جميعا أنّ الأيادي المُرتعشة لا تصنع التاريخ و الانجازات....