بيروت – علي عبد اللطيف اللافي
بادرني صديقي اللبناني وأصحب أشهر المكتبات في بيروت وفي شارع الحمراء تحديدا…
عد حفاوة الترحاب والاستقبال الحار، ما هذا الذي يقع في تونس، قلت باستعجال واستغراب وأنا كنت في النزل اللبنانية أتصفّح المواقع لأعرف آخر الأخبار في تونس، ماذا هناك هل جد جديد منذ دقائق ؟، اخبرني بسرعة؟ ، قال مستدركا لا طبعا ولكني فرحت كمواطني عربي ( و ترشف جزء من قهوته) كمواطني عربي بالثورة التونسية وطابعها الفريد ( وتحدث مُطوّلا عن سلميتها واستقلاليتها وسرعة انجازها لأكبر مهامها وهي فرار المخلوع وعائلته ....)، و لقد أصبت بخيب أمل البارحة و أنا أستمع لنشرات الأخبار أنّ مزور انتخابات 1981 وبعد التفافه على الثورة سنة 2011 وتلغيمه للإدارة التونسية ينوي الترشح، و وقال جامعي تونسي كان برفقتي : العجيب أن الأخبار في تونس أكدت انه لم يستشر لا تحالفه (الاتحاد من أجل تونس ) ولا حزبه المسمى نداء ، وهنا تساءل صديقي اللبناني مختصرا حديثه طالبا توضيح ما يجري في تونس وما يحدث لثورتها بعد أن عقد أماله الكُبرى على فاتحة الثورات العربية.
قلت لصديقي لا عليك سأبدأ من البداية السياسي العجوز ولد سنة 1926 وتاريخه حافل بالهنات والمنزلقات ويعرف الجميع أنه ساهم في جمع سلاح المقاومة في جهة القصرين في بداية الخميسنات وأنّه عمل في الإدارة الجهوية بوزارة الداخلية ثم ديوان السياحة قبل أن يكون مديرا للأمن ليكون جلادا لليوسفيين ثم وزيرا للداخلية ما بين 1965 و1969 وفي هذه الفترة عرفت تونس موجة كبرى من الاعتقالات والمحاكمات السياسية لمختلف فصائل اليسار الماركسي وكذلك البعثيين والناصريين و كل نشطاء الحركة الطلابية على خلفية أحداث جوان 1967، ثم أنه دبّر مؤامرة للمناضل علي الزليطني سنة 1969 ومتهما إيّاه بقيادة انقلاب ضد بورقيبة، ويعرف الجميع أنه اشتغل وزيرا للخارجية ما بين 1981 و1985 و هي الفترة التي تم فيها تزوير انتخابات 1981 بشهادته هو نفسه في على قناة الجزيرة بعد الثورة وهو نفسه من وقف على القمع الواسع والقتل الممنهج للشرائح الشعبية المنتفضة في جانفي 1984 من أجل حقها في الخبز الكريم وبعد أن كان متورطا في أحداث برج علي الرايس قبل ذلك كما أنه أمر بإطلاق النار على أهالي الوردانين وهو نفسه من كان سنة 1987 سفيرا لحكومة مارست كل صنوف القمع على الطلاب وبدون هوادة، كما لا بد من التذكير أن بورقيبة نفسه اتهمه بالسرقة والتآمر عليه في خطاب له في باردو سنة 1974.
وبعد خلع بورقيبة أصبح برلمانيا في برلمان حكومة بن علي ما بين 1989 و1994 بل ورئيسا لذلك البرلمان المزوّر للقوانين ثم غاب ونسيه الجميع وكتب مذكراته – نشرها سنة 2009 - في كتاب وتحدث فيها عن بورقيبة – وهو المعروف بأنه رجل وسيلة في القصر والحكومة – وهو لم يزره ولو يوم واحد طيلة 13 سنة في إقامته الجبرية ولم يتحدث عنه لا سرا ولا علانية ليتشبه به اليوم ويوظفه في أجنداته الخفية بعد أن وعد أن يلزم بيته بعد 23 أكتوبر وأن لا نرى وجهه مستقبلا.
و السبسي لم يكتب مقالا واحدا كما لم يدلي بتصريح واحد ضد حكم بن علي المافيوي بل أنشأ مؤسسة لبيع الخمر في ظله وبدعمه – أي المخلوع- بل أنه صرح مادحا ومتملقا عديد المرات.
ولكن الإشكال أن شباب الثورة الذين أسقطوا حكومة محمد الغنوشي الثانية يوم 25 فيفري 2011 لا يعرفونه وأن النخبة العارفة بتاريخه الأسود لم تُنبّهم، لذلك سمحوا له بتولّي أمرهم فشكّل المشهد السياسي والقانوني والتشريعي والإداري بما يضمن له البقاء في السلطة أو تسليمها لموالين له أو هكذا خطط حيث وضع أتباعه في الهيئات والمناصب المختلفة إبان الفترة الانتقالية الأولى، و لكن السحر انقلب على الساحر في انتخابات 23 أكتوبر 2011.
وأكمل صديقي اللبناني الحكاية مُثبتا متابعته الجيّدة لما يحدث في تونس ، شباب الثورة لا يعرفون هذا العجوز الذي التف على ثورتهم وأخرج من الأرشيف للعب ذلك الدور و أسس حزبا بعض من رجاله من اليسار ألاستئصالي ومن عُتاة التجمعيين و أضاف صديقي مؤكدا نحن اللبنانيين أصحاب خبرة واطلاع على تاريخ الساسة العرب، هذا الرجل له طموحات سياسية متأتية من تاريخ عائلته في ممارسة السلطة، وهو يا صديقي و وفقا للروايات هنا في بيروت، غامض العلاقات والولاء بل أن بن عيل نفسه قد أقاله بسبب وجود ملفات معقدة مرتبطة به، وبالتالي فان شعب تونس الذي صنع ملاحم 84 و 86 و 2008 و 2011 لن ينخدع بل وسيُلقّن السبسي درسا يماثل صفعة المصريين لشفيق في الانتخابات الرئاسية المصرية منذ سنتين.