استوقفني حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرّجه البخاري في الصحيح عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قال: أَتَيْتُ…
َلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ اَلسَّاعَةِ، مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ، ثُمَّ مَوْتَانِ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ اَلْغَنَمِ، ثُمَّ اِسْتِفَاضَةُ اَلْمَالِ، حَتَّى يُعْطَى اَلرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ اَلْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي اَلْأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اِثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.
استوقفني في الحديث قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ اَلْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ) ولم أجد لها من تفسير سوى هذه الفضائيات التي غزتنا من داخل بيوتنا؛ هذه الفضائيات التي لم نعد نستطيع الفكاك منها؛ هذه الفضائيات التي تحمل الكثير من الشر والقليل من الخير، فتكون فتنا للكثير من المسلمين، ولعلَّ ما يرجّح قراءتي ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "ليوشكن أن يصب عليكم الشر من السماء حتى يبلغ الفيافي،قيل: وما الفيافي؟ يا أبا عبد الله قال: الأرض القفر".
ونحن نرى اليوم أناساً في منقطعٍ من الأرض يعرفون عن أخبار أمم الشرق والغرب أدقّ الدقائق التي تصلهم من خلال الأطباق اللاقطة للفضائيات التي تجلب الخير القليل والشر الكثير. ومن هنا فإنّي أرى أنّ الحاجة ماسّة اليوم لإعادة النظر في سياساتنا الإعلاميّة وإنّ على قادة العمل الإعلامي الإسلامي أن يقدّموا إعلاما بديلا يحصّن الجسم الثقافي للأمّة من هذا الغول الإعلامي الّذي تقوده ماكينة عالميّة ضخمة تبث الفتن بنوعيها: الشبهات والشهوات.
إنّ صناعة إعلام إسلاميّ بديل عن مصانع الرذيلة بات ضرورة ملحّة وعلى إعلامنا الإسلامي أن يكون في مستوى التحدّيات التي تواجهها الأمّة وأن يضطلع بدوره في توعية العقول، وصياغة الأفكار، وتشييد البناء العقائدي والثقافي والحضاري للأمَّة المسلمة ولا شكّ أنّ المهمّة ليست سهلة ولكن "المشكلة حين ندوِّن تفاصيلها نكون قد حصلنا على نصف حلِّها" كما يقول "تشارلز ليزنج" ..
إنّ الإعلام سلاح خطير للغاية، وليس عبثا تسميته بالسلطة الرّابعة بل إنّ الفيلسوف الألماني "غيورغ فيلهلم فريدريش هيغل" يقول معظِّماً لشأنه: "الصحيفة هي الصلاة العلمانية الصباحية للإنسان الحديث" .. ويبقى من الضروري أن نؤكّد على أنَّ مسيرة الإعلام الإسلامي محفوفة بالمخاطر، وأمامها عقبة كؤود وهو يمشي في طريق مؤلم وشاق وهو محتاج إلى جهود الصالحين من أبناء هذه الأمة حتّى يرتقوا به ويرتقي بهم ويسلك طريق الإبداع المنتج للأفكار الجميلة ووصيّتي إلى رجالات الإعلام الإسلامي أن يستصحبوا دائما في ثنايا مسيرتهم الشاقة معنى "الإعلام الإسلامي" حتى لا يميلوا كلّ الميل أو يكونوا عرضة للابتزاز الفكري أو تقديم تنازلات نتيجة الضغوطات الممارسة عليهم أو الهرسلة التي قد يتعرضون لها فيسقطوا في الفخ الذي وقع فيه السياسيّون ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.