مقاﻻت رأي

قراءة في "الرّبيع" بل التسونامي العربي

زووم تونيزيا | الثلاثاء، 26 مارس، 2013 على الساعة 21:57 | عدد الزيارات : 1012
بقلم: توفيق بن رمضان  يا أيّها العرب لا تكونوا أغبياء لتنفّذوا لهم مخطّطاتهم بأيديكم و تحقّقوا لهم مصالحهم…
لى حساب أمن و مصالح شعوبكم و أوطانكم فقد لعبوا بكم العديد من المرّات منذ قرون، فقد لعبوا بكم في الحرب العالمية الأولى و حاربوا بكم الإمبراطورية العثمانية و وعدوكم بالدولة العربيّة الكبرى، و لكن أخلفوا وعودهم و غدروا بكم و احتلّوا أوطانكم و تحوّلتم إلى عبيد عندهم يسومونكم سوء العذاب يقتّلون أبناءكم و ينهبون خيراتكم و ثرواتكم، و لعبوا بكم عندما مكّنوكم من الاستقلال ظاهريّا و لكنّهم نصّبوا عليكم عملاء لهم منكم ليحافظوا على مصالحهم و نفوذهم، و تواصلت السيطرة و التسلّط و الاستبداد و لكن بمن نصّبوهم عليكم من بني جلدتكم و ضيّعوا عليكم عقودا من التقدّم و التطوّر من أجل اللّحاق بقطار التحضّر و الازدهار، فقد أبرموا شروطا مع من نصّبوهم عليكم حفاظا على نفوذهم و مصالحهم و كان استقلالا منقوصا، و تمكّنوا من تمديد استغلالهم و سيطرتهم عبر عملائهم لأكثر من نصف قرن، و تبيّن لاحقا أنّه استقلالا مشوّها و مسخا، و لعبوا بكم بإدخالكم في حرب مع الشّعب الإيراني لمّا ثار و أطاح بشرطيّهم في الخليج فكانت حربا أكلت الشعبين المسلمين على جميع الأصعدة، الأرواح الموارد و الطاقات، و لعبوا بكم في حرب الخليج الأولى بعد استدراج صدّام للفخ الكويتي، و الحرب الثانية بتخويفكم بالبعبع الصدّامي و ذريعة أسلحة الدمار الشامل المزعومة، و هم اليوم يواصلون اللعب بدول الخليج بالبعبع الإيراني بعد فشلهم من تحقيق مخططاتهم بفزّاعة الإرهاب و التطرف. يا أيها العرب بالله عليكم إلى متى تبقون ملعوب بكم و مفعول بكم؟ ألا تستيقظون من غفوتكم و تمتلكون مصائركم و تصنعون مستقبلكم بأيديكم و تمنعون و تتصدون لكلّ من يحاول استغلالكم و التّلاعب بكم من أجل السيطرة على أوطانهم و نهب ثرواتكم و سحق شعوبكم، لماذا أنتم دائما تختارون الطّريق الخطأ و تذهبون للخيارات المهلكة و المدمّرة؟ و هذا كلّه بسبب تعطّشكم للتّسلّط و السلطة و تحقيق شهوات الحكم و التحّكم التي أعمت بصائركم و ضيّعتكم و بالتّالي ضيّعت أوطانكم و شعوبكم، مالكم لا تعبئون بتدمير أوطانكم و تقتيل شعوبكم من أجل المناصب و اعتلائكم الكراسي و الفوز بالسلطة و الحكم؟ و إن كانت الأثمان تدميرا و زهقا للأنفس الزكية و سحقا للشّعوب و حرقا و تدميرا للمنشآت و الإنجازات و المكتسبات التي أنفقت فيها الثروات و الجهود، أيها العرب لماذا تدمّرون بيوتكم بأيديكم؟. أمّا الآن لننطلق في قراءة التّسونامي العربي المخلّص في بعض الحالات و المدمّر في حالات أخرى. بعد حدث هروب بن علي الذّي فاجأ الشّعب التّونسي و أذهل السّاسة الغربيون، حيث أنّ النّظام الدّولي الغربي و على رأسه الولايات المتّحدة الأمريكية كانوا يتصوّرون أنّ الشّعب التّونسي شعب مدجّن و لا يمكنه بأيّة حال من الأحوال أن ينتفض على جلاّديه، و أنّ عميلهم بن على ماسكا البلاد بالحديد و النار، و بالتالي لن يتمكّن التّونسيون مهما حاولوا من الإفلات من قبضته بسبب الدّعم الأمني الذي قدّموه لنظامه من بداياته و إلى آخر يوم، كما أنّ تونس تعتبر مخبرا غربيا و عربيا في قمع الشعوب، و هل من الصدفة أنّ يكون المقر الدائم لمجلس وزراء الدّاخلية العرب بتونس العاصمة، و قد كانت كلّ الدّول العربية تتلقّى النصائح و التوصيات في التعاون الأمني بكلّ أشكاله من طرف الأجهزة الأمنيّة التّونسيّة لما لها من خبرة طويلة في قمع و سحق الشّعب التونسي منذ خمسينات القرن الماضي. و بعد ذلك انتقلت العدوى للشّعب المصري، فالشّعوب العربيّة تعيش نفس الظّروف و ترزح تحت أنظمة متشابهة في الطرق و الوسائل المعتمدة في التّسلّط و الظّلم و القهر و القمع و السّيطرة، و قد اشتدّ الضّغط على عميلهم الثّاني مبارك، و الكلّ يعرف أنّ الحالة المصريّة و الموقع المصري مختلف عن الوضع التّونسي لما لمصر من موقع استراتيجي و حسّاس من ناحية العبور عبر قناة السّويس و الجوار الإسرائيلي، فناوروا و في النهاية بعد ما يئسوا ضحّوا بعميلهم مبارك كما تعوّدوا التّضحية بكلّ نذل عميل مهما كان شأنه و ولاؤه إذا ما انتهت مبرّرات وجوده أو عندما يعجز عن القيام بدوره في خدمت مصالحهم الأمنيّة و الاقتصادية و العسكرية و أمور أخرى خفية لا يعلمها إلا الله و عملائهم الهالكين، و لذالك تجدهم في كلّ مرة يعجّلون بقتلهم لتدفن الأسرار معهم و الأمثلة عديدة من صدّام للقدّافي، و قد صرحوا بل أدخلوا مبارك في موت سريري يوم التّصريح بنتائج الانتخابات و ذالك لم يكن أبدا من محض الصدف بل هو مراد و مدبّر، و يمكن أن نقول أنّ قتل أسامة بن لادن داخل في هذا الإطار فقد تخلّصوا منه مباشرة بعد اتخاذهم قرار الخروج من العراق و برمجة مراحل الخروج من أفغانستان، فلم يعد هناك مبرّر لإبقاء البعبع الذي صنعوه لتبرير حربهم على الإرهاب كما يجب أن لا ننسى أنّ بن لادن تعاون معهم في حربهم على روسيا و قد كان دائم النّزول ضيفا على التراب الأمريكي و لا شك أن له معلومات عن طرق عمل وجرائم و فضائح جهاز استخباراتهم الإجرامي CIA و لذالك تم إعدامه و تصفيته لتدفن كلّ الأسرار معه فبالنسبة لهم بن لادن يعتبر عنصر متمرد يجب تصفيته و قد فعلوا لتدفن الأسرار معه في قبره. و لا شكّ أنّهم قد عوّلوا على المجلس العسكري في مصر ليمسك بزمام الأمور بعد إزاحة عميلهم مبارك، و لكنّ الضّغط الشّعبي المتواصل و خروج المصريين خرجتا على قلب رجل واحد لم تمكنّ عملائهم من السيطرة على الأوضاع رغم المحاولات و المناورات المتعدّدة و لكنّهم حاولوا الخروج بأخف الأضرار بالانتخابات و قد راهنوا على فوز أحمد شفيق و لكن للمرّة الثّانية خيّب الله آمالهم و أجهض مخطّطاتهم و أفشل رهاناتهم بفوز محمد مرسي و رغم كلّ هذا تمادى المجلس العسكري في المناورة و عندما أيقن أن الفوز لن يكون من نصيب رجلهم الذي دعموه، اجتمعوا ليلا و أخرجوا وثيقة استعجاليه من أجل الحدّ من صلاحيات أوّل رئيس منتخب استمدّ شرعيّته من الشّعب المصري و ليس من الدوائر الغربية كما جرت العادة لعقود خلت و التصدي للحكم الشرعي المنتخب في مصر متواصل إلى اليوم و عمليات التحريض و التأجيج و الأحداث التي تعيشها مصر هاته الأيام أكبر دليل على تآمرهم الإجرامي من أجل إعادة مصر وشعبها للزريبة و القبضة الصهيو-غربية. و قد انتفض الشّعب اللّيبي و لكن هذه المرّة المعادلة و الحسابات مختلفة فقد كان سركوزي متحمّس أكثر من غيره في التخلّص من القدّافي فقد كان مقبلا على انتخابات، و قد لوّح النظام اللّيبي بإخراج ورقة تمويل حملته السابقة، كما أنّ الأزمة الاقتصادية التّي لم تسلم منها أي دولة غربيّة تقتضي تدمير القطر اللّيبي لخلق فرص استثمار للشّركات و البنوك المهدّدة بالإفلاس فالقطر اللّيبي يعجّ بالثّروات و لذلك حرصوا على التّخلّص من القدّافي الذي كان دائما متمرّدا و غير مأمون الجانب و خاصّة أنّ نفوذه أصبح يتعاظم في إفريقيا السوداء تلك البقرة الحلوب و الحديقة الخلفيّة التّي لا يمكن للأنظمة الغربيّة أن تتركوها للقدّافي ليتّخذ منها ورقة يمكن استغلالها كلّما اقتضت الحاجة، كما أنّ تدمير الإنجازات و المنشآت و تدمير ليبيا عموما سيسمح لهم بإبرام عقود خياليّة لإعادة الإعمار و كذا يخفّفون على أنفسهم وطأة الأزمة الاقتصادية بنهبهم للثّروات و الأموال اللّيبية و نحن العرب دائما نقع في فخاخهم و مكائدهم كالضباع بل ربّما الضباع أكثر ذكاء من بعض النّخب و السياسيين الماسكين بمقاليد السلطة في أغلب الدول العربية. أمّا في ما يخص التحرّكات في القطر اليمني فقد لملموا الأمور و اجتهدوا مع عملائهم من أمراء الخليج على تهدئة الأوضاع و الخروج بلطف لما لليمن من موقع خطير و استراتيجي في خطّ الملاحة الدوليّة و الجوار مع حلفائهم في الجزيرة العربيّة و قد تمكّنوا من إقناع النّخب و الزّعماء و من خلالهم الشّعب اليمني على اختيار الحل السّلمي و المرحلي في الإطار الدستوري و نصّبوا نائب الرّئيس على أن تتمّ الانتخابات في المستقبل القريب، عكس ما فعلوه مع سوريا من تحريض و تأجيج إعلامي و دعم للثّوار بالمال و السلاح. أمّا عن الأحداث في حدائقهم الخلفية من دول خليجيّة فالتّعتيم الإعلامي في البداية كان كلّي و قد وصل التّعاون الأمني إلى أشدّه من أجل محاصرة التّحرّكات الشّعبية و فرض الاستقرار و لو بالحديد و النار لتأمين مصادر الطّاقة لأسيادهم، فلا حديث عن الحرّية و الديمقراطية و حقوق الإنسان ما دامت الأنظمة متعاونة تمكّنهم من الوصول للنّفط دون عناء أو خسائر كبيرة في الإنفاق الحربي و العسكري. أمّا عن الأوضاع في سوريا فالحكاية مختلفة تماما، فبعد محاولاتهم المتكرّرة لتدجين النّظام السّوري و وضعه تحت السيطرة رغم أنّنا لا نختلف في أنّه نظام تسلّطي، فقد أرادوا أن يخرجوا بشيء من هذه الأحداث في عالمنا العربي و قد وجدوا في ما سمّوه "الربيع العربي" الفرصة السّانحة للفوز بالجائزة الكبرى و الوحيدة سوريا و لينفّذوا ما فشلوا في تحقيقه منذ عقود، فجنّدوا جنودهم و جيّشوا عملاؤهم و عوّلوا على عميلهم العلماني و المتغرّب برهان غليون ضنّا منهم أنّه سيتمكّن من الوصول للسلطة لتركيز نظامه العلماني العميل تنفيذا للمخطّطات و البرامج الصهيو أمريكية، و لكنّهم تسبّبوا في دمار منقطع النّضير و تقتيل رهيب للأبرياء لا يعلم حجمه إلا الله، و لم يتمكّن عميلهم من المحافظة على موقع الزّعامة و خرج عليهم الإسلاميون بمختلف مشاربهم و افتكّوا زمام المبادرة على الأرض و تركوا العملاء على التّماس و لا ندري ما الذي ستئول إليه الأمور في سوريا، و كما يقال يمكن بدء الحروب و لكن لا يمكن التكهّن بنتائجها و بما ستؤول إليه الأوضاع، و على كلّ حال لن يكون لعملائهم النّصيب الأكبر من الحظوة و النّفوذ في سوريا المستقبل إن تمكنوا من إسقاط النظام الحالي. و بعد كل هذا الدمار و التقتيل أقول للعقلاء من الشّعب السوري لا فائدة في حرّية و ديمقراطية تأتي بها أفواه البنادق و تلحق الدّمار و الوبال بالشّعوب و الأوطان فقد كان بالإمكان تحقيق الإصلاح و الانتقال بأقل الخسائر و الأضرار و آه و ألف آه لو تداركت الأنظمة العربيّة الأمور و فهمت منذ مدة أن التّغيير ضرورة ملحّة و حتميّة لما حصل ما حصل من الدّمار و التّقتيل و لتمكّنا من تفويت الفرصة على المتربّصين بنا و بأوطاننا، هذا لو كان عندنا من سياسيين عقلاء و شرفاء مخلصين لأوطانهم يعملون على الإصلاح و يترفّعون عن المطامع الأنانيّة و الضيّقة في المناصب و الكراسي. كاتب و محلل سياسي