لقد ابتهج الشعب التونسي بالاستقلال، و قد كانت الفرحة عارمة و كبيرة، و اتّحد الشعب من أجل تحقيق التنمية و…
لازدهار، و لكن بعد سنوات قليلة اتّضح أنّه تحرير للتراب و ليس تحرّرا للشعب و الوطن، و تأكّد الأمر بعد مرور السنين أنّه لم يكن استقلالا و تحرّرا تامين بل هو استقلالا مشروطا و ليس تحريرا للبلاد و للعباد.
و قد أصبحت الأمور واضحة بعد الاستقلال بسنوات قليلة، و مباشرة بعد تخلّص بورقيبة من كلّ من ينازعه الزعامة و القيادة تبيّن أنّ حكاية الاستقلال لا تتجاوز اتّفاقية تمّ فيها تحويل أدوات التسلّط و القهر من المحتلّ الخارجي إلى المستبدّ و المتسلّط الداخلي، و قد تحمّل الشعب التونسي لمدّة تجاوزت النصف قرن ألوانا من القهر و التسلّط و الاستغلال و النهب لثرواته و خيراته.
و بإزاحة بورقيبة ابتهج الشعب التونسي للمرّة الثانية و تصوّر أنّ الأمور ستتغيّر، و لكن كالعادة بعد سنين قليلة تبيّن أنّ الحكاية مسرحيّة و استمرارا لنفس النظام بقيادات جديدة، و تأزّمت الأمور و استفحل الظلم و القهر و الاستبداد و التسلّط حتّى وصلنا لما نحن عليه من فوضى و دمار و عدم استقرار.
و ها نحن بعد سنتين من الثورة و الأمور لم تتّضح بعد، و كل الخشية من أن يتلاعب بنا من يسيطرون على العالم و المسيّرون للنظام الدولي، فالمؤشرات لا تبشّر بخير و لا يمكن الوثوق بالغرب المتكالب على أوطاننا و أمّتنا و الناهب لخيراتنا و ثرواتنا، فهل بعد إفلاتنا من قبضته سيعيدنا إلى الحلبة التي يدير قواعد لعبتها من جديد؟.
كما أنّه يجب على الجميع أن لا ينسوا أنّ النظام الدولي الغربي قد حرّض على ضرب الإسلاميين في بداية التسعينات، و ها هو اليوم يتعاون معهم و يقبل بهم في السلطة، فهل هناك من نفاق و تلاعب أكثر من هذا؟ و هل الغرب سيسعد لو تحوّلت دولنا إلى دول ديمقراطية تضمن فيها الحرّيات و الحقوق؟ و هل حقيقة سيتركنا النظام الدولي و شأننا نقرّر مصائرنا و نحقّق الاستقلال و التحرّر المنشودين؟، هذا كلّه يتطلّب الصدق و الإخلاص للشعب و الوطن، و إلاّ فإنّنا سنجد أنفسنا من جديد في نفس الأوضاع و سنبقى ندور في دائرة مفرغة لن تزيدنا إلا تأخّرا و تخلّفا على ركب الحضارة الذي يتقدّم بسرعة متناهية.
و يا خيبة المسعى إن لم تحقق الثورة أهدافها بعد الذي عشناه من فوضى و دمار و انعداما للأمن و الاستقرار طيلة السنتين الماضيتين، و الخوف كلّ الخوف من أن تكون العملية مجرد استبدال لنظام استوفى مدة صلاحياته بنظام جديد دون تغيير في أساليب الحكم و التسيير، فالمشكلة في الماضي لم تكن في الأشخاص بقدر ما كانت في المنظومة، و علينا أن نعمل جميعا متوحدين من أجل تغيير منظومة الاستعباد و الاستبداد التي خلّفها لنا المستعمر الفرنسي و التي واصل بها بورقيبة و من خلفه من بعده من نفس الحزب.
و في النهاية و بمناسبة عيد الاستقلال نتساءل و نقول: هل الثورة ستمكّننا من استكمال تحرير البلاد و العباد؟ بعد تحرير التراب باتفاقيات الاستقلال و الجلاء الزراعي...
بقلم: توفيق بن رمضان