مقاﻻت رأي

في ذكرى الإستقلال..يكرم المرء أو يهان!!!.. بقلـم أحمد بن سليمان

زووم تونيزيا | الأربعاء، 20 مارس، 2013 على الساعة 21:33 | عدد الزيارات : 1007
تكتمل اليوم السنة السابعة و الخمسون من إستقلالنا "النسبي"..و على ما حققته دولة الإستقلال أو ما أخفقت فيه تبقى…
لسنوات الماضية جميعها محطات يختلط فيها الأمل مع خيبته و يسأل الشعب على حد السواء مع حكامه في المسؤولية الوطنية عما نحاول إستشرافه و نحن ندخل زمن جمهوريتنا الثانية بخطى تتعثر و أخرى تتحسس واثقة طريق الخلاص.. الثابت أن مسألة الإستقلال مسألة متعدية إلى مفعولية تاريخية تقتضي طرفا نستقل عنه تمظهر في أواخر القرن التاسع عشر و النصف الأول من القرن العشرين في دول الإحتلال..و الإحتلال هو حتمية حضارية لم يكن الهروب منها ممكنا بعد الثورة الصناعية في أوروبا و غرق شعوب إفريقيا و المنطقة العربية في محيطات الجهل و المديونية و الخيانة و التآمر.كذلك لم يكن فعل الإستقلال فعلا خارجا عن نطاق الحتمية فحركة التحرر كان كونية عقب الحرب العالمية الثانية مع بروز نخب ثقافية لا ننكر دورها في ما يسمى حروب التحرير.. مختصر القول أن بلادا مثل تونس كانت فعلا إجاصة قد نضجت في وقتها-و التشبيه لبسمارك مخصوص لتونس- تعرضت لكثير من القضمات التاريخية و رميت حين آن لها أن ترمى..بقينا خارج دائرة الفعل الإنساني و وجدنا أنفسنا نتحدث عن إستقلال في ظاهره فرح و في أعماقه سؤال لماذا نستقل أصلا؟؟..لماذا يفعل بنا و لا نفعل؟؟..و السؤال الأخطر هل إنتفت أسباب ألا نكون مستقلين؟؟؟.. يقدم عيد الإستقلال في بلدان عديدة تحت إسم العيد الوطني دون إشارات واضحة أو ضمنية لتبعية تاريخية واعية أو غير واعية لمحتل قديم..على أن يبقى اليوم عيدا و أن يبقى وطنيا برمزية العبارة أن الأهم في الموضوع هو الوطن..إنه تخلص عولمي من إرث إيدولوجيا الأفكار و المسميات مع سقوط مقولات التاريخ الكبرى و إنهيار المعسكرات الإيدولوجية التقليدية.. و إستطاعت بالفعل مجتمعات عدة من التخلص من موروثها الإستعماري بأن إنخطرت تلقائيا أو بالإجبار في لعبة كونية الحضارة و التخلص من المقولات الجامدة المعسكرة لأقصى اليسار أو لأقصى اليمين مع المحافظة على بناء إقتصادي تبعي في غالب الأحيان للقوى العظمى مع تقاسم هذه القوى لمستعمراتها السابقة حيويا و إقتصاديا.. إنه الدرس الأول على درب الإستقلال..لا إستقلال في المطلق مع ضرورة التخلص من مقولات الإيديولوجيا..بمعنى أدق التاريخ لك و الأرض و الجغرافيا تحرسها لي..إنه في الغالب إحتلال عن بعد و الحرية فيه مشروطة دوما.. غير أن مسألة سقوط الإيدولوجيا و الإنخراط في العولمة ليست بهذه القتامة و ليست مهددا غولا للمجتمعات المتحررة إن هي ركزت ثقافة وطنية عميقة و تعليما عصريا تقنيا و إعلاما يتمتع بقدر محترم من الإستقلالية.. تبعد مسألة العولمة أو ما بعدها الحديث عن الإستقلال في بعده الجماعي الشعبي أو على نطاق الدول لتكرسه في بعده الذاتي ليصبح الحديث في جوهره لا عن إستقلال الشعوب و الدول إنما عن إستقلالية الفرد في ظل الأزمة الإقتصادية العالمية و إستفحال معضلة البطالة و توجه الأقطاب الكبرى نحو الخوصصة.. و إنتقل الحديث من حديث تاريخي عن الحرية إلى حديث معاصر عن الكرامة.. إنه عصر التحولات العظمى..و السؤال الأكبر لا تسأل عن حريتك بل إبحث عن كرامتك..حتى بأن تحرق عربة الخضار.. لا كرامة تحت تهديد الفقر.. لا كرامة مع تراكم الجهل.. و خاصة لا كرامة بخبز المقايضة.. لا بد من إسقاط شعار..من ليس معي فهو ضدي.. و بيت القصيد أن إستقلال الدول من إستقلالية أفرادها و كرامتهم.. لقد ولى عهد الرقابة و الإستخبار و الإنخراط الحزبي المسلط على الرقاب..و لا بد لا خيار من دخول عصر الدولة المنظم المرشد الحكم النزيه.. و الناظر الموضوعي لقوة أية دولة سيجدها من قوة مستقليها..و من قوة مثقفيها الذين لا قرار دونهم..و من قوة علمائها.. عالم اليوم..حريته الكرامة و دولته الفرد..و قوة الدولة في مستقليها..و العنوان..ثقافة وطنية علم تقني و لا إيدولوجيا.. و أي موضوع اليوم لا يراهن على كرامة الفرد المستقل هو إنذار بالخراب..فلا إستقلال دون إستقلالية.. سبعة و خمسون عاما من الإستقلال النظري..إخفاقاته أكثر من نجاحاته.. إستقلال لم يكن يوما سياسيا ذا قرار.. إستقلال إقتصادي تبعي بمنتهى الخجل.. ثقافة مضروبة تحت جميع المسميات.. بنية علمية لا تستجيب أسفا مع معطى الذكاء الوطني.. مجتمع حي يتفاعل في حركية ذاتية تصل حد الغليان أحيانا..بسلبياته حي بمطلبيته حي بتناقضه الصارخ حي..إنه الوليد الحقيقي الشرعي الوحيد لما يسمى"ثورة" الذي يجب أن نرعاه و نحميه من إرادة الوأد المتربص بنا.. هذه رهاناتنا الحقيقية و هذا باب الأمل الذي يجب أن يطرقه العمل.. ليس مهما من يحكم..فالحاكم محكوم بالناس..الحاكم محكوم بالناس.. من لا تجمعهم الوطنية تقتلهم الإيدولوجيا..و الحلاق لن يموت جوعا فاللحيي تطول و تقصر..و اليمنى يسارها يسرى..و اليسرى يمينها يمنى..لا تعلمان بما تصدقت الإخرى.. سبعة و خمسون عاما من الفرص الضائعة و نحن الأن أمام مرمى التاريخ الذي لا يواعد الشعوب إلا نادرا.. فرصتنا أن نكون نحن..نحن نكون و لا سوانا و إختلافنا ليس خلافا..و تونس لنؤنسها مرة و ننسيها مرة أننا لا نعلم.. الحضارة يا صديقي في الأصل فكرة لفرد واحد..و التاريخ يصنعه الرجال و النساء بالمعرفة..و التراكم دون عجلة تجربة الشعوب الحية.. الحضارة يا صديقي دولة..مؤسساتها دواوين عمر و مواطنوها جهادهم قريب..أقرب مما نتصور..إنه قابع هناك في أعماقك و أعماقي..جاهد نفسك أن تكون نفسك حرة مع الآخر و به و ليست دونه.. كل عام و تونس أفضل..لتكن رسالتنا الأمل.. تصبحون على وطن إستقلاله من كرامة أفراده..موفقون جمعيا و على بركة الله..