كما كان متوقعًا.. اكتملت أركان المؤامرة على السوريين، خاض الغرب على الرئيس السوري بشار الأسد (حربًا ضروسًا)…
لال مؤتمر روما الذي عقد اليوم الخميس، بالكلمات والأحرف والجمل القصيرة والطويلة فحسب، حرب حناجر، جمل رنانة، تشرئب لها الأعناق، وتتشنف الآذان بسماعها، ولكنها مجرد هباء في هباء، لا قيمة لها على أرض الواقع ولا أثر إلا المزيد من دماء السوريين تروى بها الأرض، إلا المزيد من الجثث الساخنة.
رفضت الدول الإحدى عشرة إمداد المعارضة السورية بالسلاح، واكتفت أمريكا بتقديم دعم بقيمة 60 مليون دولارًا في صورة أغذية ومعدات طبية، فيما لا يزال الجدل ساريًا حول إمداد المعارضة السورية بسلاح غير قاتل، أو غير فتاك، من عدمه..
بعد سنتين كاملتين من اندلاع الثورة السورية، وبعد أن تحولت سوريا بالكامل إلى ما يشبه مدينة الأشباح، بعد أن دُكت المدن والمحافظات دكًّا دكًّا، وبعد اعترافات الغرب نفسه والولايات المتحدة بضرب النظام السوري الفاشي للمدنيين ومنازلهم بالصواريخ الباليستية وصواريخ سكود، في جرائم حرب حقيقية، لا يزال العالم الغربي مترددًا في دعم الثورة بأسلحة قاتلة أم يكتفي بدفع فاتورة الأسد بإطعام الجوعى وعلاج المصابين!!
إن الغرب يتآمر بصورة واضحة على الثورة، لا جدال في ذلك، اتضحت معالم هذه المؤامرة بصورة واضحة بعد مؤتمر أصدقاء روما الأخير الذي أعطى رسالة واضحة ومباشرة للرئيس السوري وجنوده بالاستمرار في وأد الثورة وضربها في مقتل، بل أعطاها بطاقة مرور خضراء للتدمير والتعذيب واغتصاب النساء حتى يحسب الغرب حساباته ويخرج من الأزمة بأكبر قدر ممكن من المكاسب، أو أقل قدر من الخسائر..
ولنا أن نتساءل: لماذا؟!
لماذا تتقاعس الولايات المتحدة والدول الأوروبية والغربية عن نجدة السوريين وقد اتضح لها الأمر جليًّا؟! اتضح لها قصف البلدات، واستخدام صواريخ بالستية على المواطنين العزل في منازلهم، ناهيك عن المجازر اليومية التي يقضي بسببها العشرات يوميًّا، حتى اعتادت نشرات الأخبار على جلب إحصائيات يومية عن عدد الشهداء الذين تعدوا في شهر واحد حوالي عشرة آلاف.
لماذا هذا التقاعس في حين لم تتمهل الولايات المتحدة في التدخل في ليبيا وقبلها العراق وفي أفغانستان، وفي دعم التدخل في مالي الإفريقية مؤخرًا؟!
الجمهورية السورية لها وضعية خاصة على المستوى الجغرافي، فتموضعها على الحدود الإسرائيلية الجنوبية يعطيها موقعًا استراتيجيًّا فيما يخص أمن إسرائيل الذي هو المهمة الرئيسة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومن غير الوارد أن تسمح الولايات المتحدة بإنشاء كيان محرّر متاخم للدولة العبرية الربيبة، لا سيما إن كان في هذا الكيان ملامح إسلامية، بل وعلى وجه الخصوص إن كانت ملامحه أكثر حزمًا ومواقفه أشد قوة تجاه العدو الصهيوني وممارساته، فإطالة أمد الأزمة السورية يسمح لجيش الأسد بتفكيك البنية التحتية للمجتمع السوري وتدميرها وإفنائها، الأمر الذي يعطي للكيان الصهيوني فرصة لعدة عقود يلتقط فيها أنفاسه، ويحيّد فيها الجانب السوري تمامًا لعشرات السنين إلى حين يعيد النظام السوري الجديد بناء بناه التحتية وإنشاءها بالصورة التي تسمح له فيما بعد بالتفكير فيما وراء حدود بلاده، وهذا بالتأكيد مطلب أمريكي وإسرائيلي مُلِحٌّ، على الأقل في هذه المرحلة الحرجة إسرائيليًّا التي بصعود الإسلاميين في سوريا إلى الحكم -وهو احتمال كبير جدًا إذا نجحت الثورة- سيضع إسرائيل بين فكي الكماشة، سوريا من ناحية ومصر من ناحية أخرى.
من كان يقرأ الأوضاع قراءة حقيقية كان يدرك تمامًا أن الولايات المتحدة والغرب لن يقدم للثوار رصاصة إلا وهو يدرك تمامًا أنها ستصيب قلبًا كارهًا للصهيونية العالمية، لن يعطيهم بندقية إلا بثمنها، ماديًّا كان الثمن أم معنويًّا، فواشنطن ومجلس الأمن والأمم المتحدة ليست جمعيات خيرية، تقدم الخبز والدواء والمعونة وترتجي بذلك وجه الله أو الإنسانية، وإنما هي كيان تآمري استئصالي على أعلى مستوى، لا ينظر للأحداث إلا بعيني مصالحه الخاصة، التي بالتأكيد لا يخدمها تقدم جبهة النصرة الإسلامية ولا أي كيان إسلامي مجاهد يرنو بعينيه إلى نصرة الدين وإعلاء راية الله عز وجل.
لقد انتهجت أمريكا خلال الفترة التي بدأت بها تأييد الثورة (ظاهريًا) سياسة تطييب الخواطر؛ من قبيل: "لقد حان وقت التحول الديمقراطي بسوريا"، "الأسد يفقد شرعيته"، "ما يمارس في سوريا يرقى لمستوى جرائم الحرب"، إلى غير ذلك من العبارات الرنانة التي تدخل في سياق الحرب اللفظية، التي لا تتعدى طريقها من الأفواه إلى الآذان، أما على المستوى العسكري، فلسان الحال: دعهم حتى ينتهي أحدهما من الآخر، وحينها يكون لنا شأن مختلف..
الدكتور مازن صواف عضو المكتب المالي للمجلس الوطني السوري أدرك هذه الحقيقة مؤخرًا حينما قال: "هل من الممكن أن نطلب ممن يدّعون بأنهم أصدقاء الشعب السوري بأن يتصلوا بضابط ارتباط في الجيش الحر بحيث تطلق صفارات الإنذار في حلب حالما ترصد أجهزة الرادار في تركيا إطلاق صاروخ سكود، بحيث نعطي السكان 4-5 دقائق للاحتماء بالملاجئ؟! طبعاً لن نطالبهم باستعمال الباتريوت باعتراضها في الجو فهذا يحمي حلب من التدمير مما لا يرضي نتانياهو ومن يأتمرون بأمره".
العون من الله.. والمدد منه وحده بلا شريك أو منازع.. والرهان على الدعم الغربي في الدولة السورية خاصة رهان خاسر، بل هو حمق وسذاجة وسفه.. فالغرب لن يمنحنا السكين التي نقطع بها رقبته، ولن يدفع إلى الأمام نفسه إلى الهاوية، بل ستستمر حرب الحروف والكلمات والجمل القصيرة والطويلة، وسنظل نسمع عبارات التنديد والشجب، حتى يأتي الله بأمر من عنده وتنكشف الغمة.. ومن جديد نقولها: البندقية هي الحل..