التحوير الوزاري الذي شغل الناس حتى أصبحوا غير منشغلين به هل سيُغير في المشهد شيئا؟ أرى إن مجرد الخوض فيه…
عاد خلط الأوراق والحسابات والتحالفات وخلق شروطا جديدة بما عسّر عمل الحكومة وأربك الإدارة وزاد في تهرئة الصدقية السياسية وهيبة الدولة.
أرى أن البلاد ومنذ 14 جانفي ظلت واقفة على ما يُشبه المنزلق الطيني لا تحتمل تدافعا غليظا أو تآمرا ومكائد ولا تحتمل انفرادا بأي أو بتصريف شؤون. لقد أخطأ من رفض تحمل مسؤولية المشاركة من البداية في إخراج البلاد من حالة "التداعي" البطيء. وأخطأ أيضا من كابر وتعالى باسم الشرعية فاستعجل "التمكين" واستعجل "المحاسبة" في بيئة غير مهيأة وغير منسجمة مع خطاب "النقاوة الواهمة"... هذا الخطاب استنبت خصوما ظلوا يتزايدون ثم أصبحوا يتحالفون حتى اخترقوا مساحات من فضاء "الحكومة الشرعية".
قبل تشكيل الحكومة وفي جلسة خاصة مع الصديق المجاهد علي لعريض قلت له: لقد دفعتم أثمانا كثيرة دعوا المجتمع يتحمل مسؤوليته في هذه المرحلة واستفيدوا من كل طاقاته المخبأة فكل طاقة إذا لم تكن معك ستكون ضدك ... أنتم لا تتمايزون على غيركم عند الشعب إلا بالشرعية الأخلاقية أو هكذا يُفترض وأما الشرعية النضالية فيشارككم فيها غيركم وأما الكفاءات فثمة من هو أكفأ عند الآخرين ... أنتم تتحركون في بيئة ملوثة أخلاقيا بفعل ثقافة استهلاكية تكرست لأكثر من عقدين فلا تراهنوا كثيرا على النوايا الطيبة ... أحرصوا على تغيير الذهنيات والأنفس وليس على تغيير الأشخاص في الإدارات والمؤسسات فالناس لا يعنيهم من يحكم ولا تعنيهم نظريات وإنما يعنيهم كيف نحكم وما يكسبون من الحكم.."
تونس بحاجة اليوم/الليلة...وقبل غدٍ...بحاجة إلى تعديل الرؤية السياسية بكل شجاعة ومسؤولية ...ثمة خطاب متعال من قبل بعض عناصر الحكومة هو الذي ولد لدى بعض السياسيين طاقة ثأرية فلجأوا إلى النكاية السياسية ولجأوا إلى تحالفات لا تعبر عن مسار سياسي بقدر ما تعبر عن رغبة نفسية في الإحتماء ب "الجماعة" لتكوين قوة دفاع سرعان ما تحولت إلى قوة هجوم ـ كنا نبهنا في نص بجريدة الفجر إلى هذا بعنوان "من الثورة إلى الإرهاب السياسي" ـ
البعض من السياسيين "الصغار" في وزنهم الحزبي يرفعون شعارات ثورجية حتى يكبروا إعلاميا ولكنهم يعرفون بأنهم لن يخسروا شيئا وإنما الذي سيخسر ويدفع الثمن هي الأطراف الرئيسية وأعني "النهضة" تحديدا... في السياسة لا وجود للنوايا الحسنة وفي السياسة كل الإبتسامات فخاخ وكل الأحضان حبال.. أنا متأكد من أن بعض المزايدين في الثورية كانوا يريدون توريط النهضة في مواقف غير "معتدلة" وفي إجراءات يمكن أن تُصنف تصفوية حتى يتألب عليها "الخائفون" وهل هم قليل؟
مطلوب من النهضة الليلة وليس غدا إعادة تأمل البوصلة للتأكد مما إذا كانت متجهة نحو تونس؟