لم أشأ أن أشارك سابقا في موضوع الشيراتون، حيث أني لا أحبذ الدخول في "الحضب" السياسية، ولا أستطيع أن أدلي…
دلوي حول موضوع لا أملك أوراقه، كما لا يعنيني الدفاع عن الآخرين متهَمين أو متهِمين، فعندي كل نفس بما كسبت رهينة. ولكن عديد الأسئلة خامرتني منذ البداية ولم أشأ أن أطرحها آنذاك، وها إني أعود إليها بعد أن انفضّ القومُ الآن، وانصرف "الرشامون" إلى مواضيع أخرى.
الملاحظة الأولى التي لابد من التذكير بها أن هذا الفندق نفسه كان شاهدا على عمق العلاقات الإسرائيلية "التونسية" زمن المخلوع، بحيث أنه كان يؤوي البعثة الدبلوماسية للدولة العبرية. ولسنا ندري إن كان يحتفظ حتى الآن بأرشيفه في هذا المجال أو أن الدولة تحتفظ بأرشيف يخص هذا الموضوع بالذات، ومن الأكيد أن إتاحته للباحثين أو الكشف عن ضياعه أمر مهم بالنسبة لنا.
الملاحظة الثانية أن أرشيف الفندق ليس موضوعا في المدخل ولا في قاعة الانتظار الفسيحة، مثل المجلات والجرائد القديمة. وبالتالي فالحصول على أية وثيقة منه تتطلب جهدا وتنقيبا ومالا وغير ذلك. كما نعلم أنه لا يوجد بالفندق عشرات الأرشيفيين أو عشرات المحاسبين، بحيث أن إصرار المدونة ألفة الرياحي على عدم الكشف عمن زودها بالوثائق، لا معنى له بالنسبة للمعنيين والمهتمين بالموضوع.
بحيث أن السؤال الأهم بالنسبة لي والذي لم يطرح سابقا وتمنيت أن لو سمعته من المتناقشين هو التالي: هل دفعت المدونة ألفة الرياحي ثمن ما حصلت عليه أم لم تدفع؟ الجواب لا يخرج من إمكانيتين لا ثالثة لهما:
-أولاهما: أن ألفة دفعت ثمنًا، لا يهمنا تقديره وإن كنا نعتقد أنه ثمن مرتفع، كما لا يهمنا تحديد نوعه أو طبيعته، فهي المعنية به أكثر من غيرها وهي التي تقدر التناسب بين ما أعطت وما أخذت. إلا أن الأهم من ذلك هو أن الثمن في مثل هذا الموضع يعتبر رشوة، بل "رشوة موصوفة" لو صح التعبير، مهما كانت غاية المدونة "شريفة"، ومهما كانت النتائج التي وصلت أو يمكن أن تصل إليها. يقينا بأن الغاية لا تبرر الوسيلة، والأهداف النبيلة لا تحافظ على نبلها إن تم التوسّل إليها بوسائل غير نبيلة.
-ثانيهما: أن ألفة لم تدفع ثمنا، وإنما تلقت "وثائقها" بدون أن تدفع مليما أو سِنْتًا واحدا أو ما يمكن أن يقوم مقام الثمن أو الرشوة. الأكيد حتى إشعار آخر أنها في هذه الحالة لم تتساءل عن الهدف من اختيارها هي بالذات لتقوم بالدور الذي طُلب منها، كما لم تتساءل عن الجهات التي دفعت بها إلى أتون معركة لا تدرك حدودها ولا أطرافها. بل يقيني هنا أنها لو طلبت وقبضت مقابلا للقيام بالدور الذي اضطلعت به لكان فيه نوع من العزاء، وإلا فهي بكل تأكيد مجرد ضحية لا أكثر ولا أقل.
قد تعتقد ألفة أنها بلغت غاية المنى، حيث فتح الشيراتون أمامها باب الشهرة على مصراعيه، دون النظر إلى الأثمان التي دفعتها، تدري أو لا تدري، إلا أنها لم تنتبه إلى أنها كانت عند "حسن ظن" بعض الذين يراهنون على غباء الناس وعلى ضعف الذكاء البشري... ولا عذر للأغبياء.
د. محمد ضيف الله