مقاﻻت رأي

كما الطيف [مقداد الماجري]

زووم تونيزيا | الخميس، 27 ديسمبر، 2012 على الساعة 01:01 | عدد الزيارات : 1681
  كتبته في السابع من نوفمبر و أرجأت نشره ، ثم ارتايته صالحا لشهر ديسمبر و ما بعده ٠٠ربما٠٠ اذ يبدو ان في…
لدي عقارب الساعة باتت تعبث بها الأفاعي السمينة ٠٠ من مقداد الماجري الى المنحرم زين العابدين بن علي كما الطيف ٠٠٠فكن الخالع انت ! أحييك اليوم السابع من نوفمبر ٢٠١٢ فأقول كل عام و انت بعيد عن تونس ولا ترى ترابها و لا تشم هواءها و ياسمين حماماتها و لا تشرب قهوة حتْما افتقدْتَها تحت اشعة “شمسكْ يا بْلادي ” ٠٠ معلّق ، تاكل من من مالها و ارضها و لا تطأ أقدامك ارضها ٠٠كل عام وانت كما تدين تدان رحلتَ في ليلة ظلماء دكناء ذهابا دون إياب ٠٠ امَّا الذهاب فقد خضع لمنطق الامر الرئاسي لمّا كان مصيرك بيديك غير ان الإياب سيكون شيئا مختلفا عن ذلك تماماً، إذ مصيرك لم يعد بيديك بعد ان صارت الارض هي من ترفض ذلك بحكم ان تربتها استعادت لغتها الاولى الأصيلة و أضحت تِتْكلَّم “الشعب يريد” ، من ارض اجدادك الى جَدة ،،طائرتك ليلا كخفَّاش، تشق خط الكرم العربي طولا و لا عشاء في الطائرة ! كذلك جوَّعت شعبك في الارض فجُوٌِعت في السماء و كما تدين تدان٠ شرّدْت أناسا ظل يملأ قلوبهم الأمل بالعودة للوطن فشُرِّدْتَ و أنَّى لك الأمل ؟ وقلبك ينال كل يوم جرعات من اليآس، و هيهات ما أبعده الوطن عنك مهما اشتد حنينك و عظم أنينك ٠٠بعيد بما لا يقدر بالمسافة التي تفصلك و الوطن ٠٠٠٠فكل عام و انت كما تدين تدان٠ الحقيقة لَكَمْ وددت ، دون ان أسعى لذلك ، ان اجري معك حوارا بعد رحيلك رغم علمي بان اللغة و الشجاعة سيخذلانك حتى وان أجَّرت لك جيشا من جمهور المشجعين ٠٠اردته حوارا معك ليس لشرف اناله معك، اذ لا يُسْأل الشرف الا من شريف ، و لا لإثارة لم تكن على الاطلاق همّي في العمل الصحفي، انما احتراما لذاكرة الاجيال القائمة و القادمة في معرفة الحقيقة٠٠حتى وإن كانت خيطا في صرة فَلْنعلمْ من وضع الخيط في الصرة ٠٠ اردته حوارا تكون فيه انت الخالع لاول مرة منذ رحيلك و ليس المخلوع ٠٠٠فتخلع الحجاب عن الاسئلة المبهمة لتتكشَّف الأجوبة ناصعة : لن أسألك عما حدث فبل 14 جانفي لان الوقائع كثيرة بعدد ايام الخمسين سنة “فْنِيتْها من عمركْ في خدمة تونس” لن أسالك عن جنائز تقام ما قبل الفجر في جنح الظلام الى مقبرة الجلاز و البنادق مشهورة على توابيت بلا اسم و لا رسم تودٍّعها أمهات ممنوعة من دمعة فراق وغصة قهر ٠٠لا اريد ان اسالك عن دفتر يضمّ اسماء من كانوا بداخل تلك التوابيت ، لعلمي انك لم تاخذه معك الى هناك و لعله من الحكمة ان افهم -دون سؤال- لماذا خرج بعدك ذاك الدفتر و شارك في “مسيرة تنظيف الارشيف “٠٠لن اسألك لماذا تكره و تحقر شعبا طيبا كريما ٠٠و لِمَ حرمت تونس من خير أخواتها ليبيا و الجزائر ربع قرن ٠٠تقفز الأسئلة بذاكرتي الحية و يعيبني السؤال يداهمني الوقت سريعا مهما طال الحوار فحسبك أن تجيب: من كان وراء اجتياح القصبة المروِّع في 23 جانفي 2011 ما دام لا احد من المسؤولين الأمنيين و لا محمد الغنوشي كان على علمٍ بذلك٠٠٠كيف نُسّقَ ً أمام عيني اقتحام اعوان الامن اثر انسحاب الجيش و من ذا الذي أعطى إشارة جاءت٠٠كما الطّيف ! اليس لي الحق في زمن الثورة ان استردَّ خيمتي و حواسيبي و يسترد الجمع متعلقاتهم الشخصية و ما فيها من ذكراهم العطرة هناك ؟ من المسؤول عن إرسال العصابات التي كانت تهددنا لفك الاعتصام حتى لا يسقط الغنوشي و حكومته ؟ من هم رجال الظل الفاعلون في تونس و لا زالوا؟ و من ذا الذي منهم لا زال مؤمنا بالانضباط الحزبي في تنسيق معك و حسن تدبير؟ و كيف تدار الامور؟ وكيف نفسر: كما للطيف القدرة الفائقة على الاختراق، هناك مجموعة أشخاص متنفذة منسجمة بدقة عجيبة تعبث بمصطلح اسمه “صدفة” ٠٠حاضرة بالغياب و غائبة بالحضور ٠٠كما الطيف؟ كما للطيفِ الصوتي سرعة الانتشار و اختراق للمكان و الزمان ٠٠فإن فيليكس البطل لا بد انك تابعته بذهول وهو يقفز ليخترق حاجز ذاك الصوت وقهره من مكان بعيد٠٠فيليكس البطل لعلَّه فعل ذلك بعد ان استفزه و قهره اناس في تونس بأرقام قياسية وغير ابطال ،يقفزون من مزبلة التاريخ يخترقون على حدّ السواء صوت الشعب ،صمت النخبة و حاجز الثورة، تتناقل صورهم الشاشات بانتظام لكي ينزلوا في حدائق أذهاننا أبطالا قاماتهم اعلى من أشجار الياسمين المرتوية هناك بدماء الشهداء ٠٠٠ينزلون بسلام وتفتح لهم مظلات النزول، هي ذاتُها تلك المظلات استخدموها للتنكر بُعيد الثورة٠٠ لباسا في شكل سفساري ٠٠كيف قفزوا بسلام وانتظموا كما الطيف؟ اين ينتصب برج المراقبة و أجهزة التحكم عن بعد لتأمين النزول و كيف يتم إعطاء الاشارة؟ كما الطيف ، موجات من احداث هنا وهناك يتغير فيها النوع و المكان و الزمان لكنها منسجمة مع بعضها ٠٠و كما للطيف الصوتي و الضوئي منبع و مصدر قبل ان يسري٠٠اخلع عني حيرتي فما المصدر؟ واقعيا صعب لقاؤك لاني لا أقوى على القفز اليك هناك ، فكن الخالع و لو لوقت وجيز تقف فيه امام الكاميرا لوحدك وحدِّث شعبك عن الطيف و ألوانه ،كيف يتشكل ومن اين ينبع ، اما الوجهة فانا ودون قفز أعلم جيدا الى اين يذهب ٠٠مقطع فيديو احرص عليه و اخلع الاقنعة عن الوجوه الكالحة فكن الخالع انت! شعبٌ شبابه حمى بنفسه الحومة بشرف و عن وعي و آوى مليون لاجئ ليزيد عن شرف الثورة من الشرف اضعافا ، فجأة يدخل في موجات من اعتصامات ،احتجاجات ،اقتحام لمقار المرفق العام، قطع للطرقات و للسكك ٠٠كما الطيف، كانت دقة وانتظاما ثم خفَّتْ حدَّتها كما لو انها باتجاه استعادة عفويَّتها و براءتها ٠٠فهل انتهى الوقود أم أن خزان التموين أضحى بعيدا؟ فكن الخالع انت ٠ أستوعب جدا الشوق فيك للمكان هنا٠٠لصحفة لَّبلابي٠٠للحافلة الصفراء٠٠لشجرة الزيتون الحبلى وهي تنتظر السواعد٠٠ شوقك حتى لملامسة الجدران هنا ٠٠شوقَ عقاب لك لا حبا منك، ،فأنقل لك مباشرة صورة حية لتونس التي تغيبت عنها زهاء عامين٠٠ عقابا لك! اما انا فاني بخير و حتى القلق الذي ينتابني على تونس الفتية فاني أحوله بداخلي ليكون وقودا لمزيد من العشق للارض المغدورة نصف قرن و نيف ٠٠صار بامكاني التجوال في شارع الحبيب بورقيبة لاشتم عطرا روحه “ديبقاج” الثورة٠٠هناك أتمنى أن أهدي كل بوليس وردة حتى يغير الله ما في قلبه بعد ان تغير ما في قلبي و تغير الحال، إذ اليوم ان طُرِقَ باب منزلي أعلم جيدا انه سوف لن يكون بوليسا يروم اختطافي ٠٠لن يكون الا ضيفا مرحباً به أو ساعي البريد، وفي أسوإ الأحوال فاتورة ماء أو كهرباء جاءت على استحياء بعد إنذار بالدفع٠٠تسألني الخلاص؟ الان من امام احد المعاهد ،و هؤلاء تلاميذه كما أردتهم ،في المقاهي المفتوحة قبالة المعاهد يلعبون ألشبكه إبان الدروس دون عطلة و يستهلك ون مادة انت تعرفها اسمها الزطلة ، على نحو أردته انت و له خططت، و مع ذلك لا يأس الا منك ٠٠سوف يغيرون في تونس ما بأنفسهم بعد ان تخاض معركة العقول و القلوب و ستنتصر حينها فاء الفكرة عن فاء “الفازة faza ” ٠٠و الدليل ان اخرين في ذات المقهى يشربون الكوكا و يأكلون الهمبرغر بينما أستمع الى حديثهم عن الشان العام ، لم يخنهم ذكاءهم في تحليل ميركاتو المجلس التأسيسي بسخرية لاذعة، و رغم بؤس الحال فإن الأمل وافر عندما ترى جليا “اخطا راسي و اضرب ” المثل السلبي يذوب تدريجيا و قد اصابه حمّض الوعي الحضاري٠ الان أحدثك من أمام الاذاعة الوطنية أهمّ بالدخول و أعلم انك ستفاجأ بوجودي على المصدح بعد أن مارست عقدين من عزل الفكر و مصادرة الحرية ، خاصة أنك تشاهد من هناك بعض الوجوه الكالحة لا زالت تتصدر المشهد أخذتهم العزة بالإثم فلجأوا للهروب الى الامام حيث لا طيف!! ..٠و مع ذلك لا خوف على الاعلام التونسي من شاوش واشٍ ، فآخرون منهم خلطوا عملا سيئا تعلمه بعمل صالح لا تعلمه يتحسسون طريقهم بعد ان صحت الضمائر و سوف يأخذ الله بايديهم متى صحّ العزم منهم ، و آخرون ملتزمون بالحيادية و الموضوعية لا يباعون و لا يُشترون يسألون الأسئلة المحرجة بادب و حسن خلق ،يحترمون الرئيس أيًّا كان اسمه و حزبه حمة الهامي ، شكري بالعيد ،نجيب الشابي ،المنصف المرزوقي ٠٠٠ولن يطلقوا عليه “صانع التغيير” ، وإنما فقط ” السيد الرئيس ” فضلا عن وجوه شابة اخرى تعمل من وراء الستار يحدوها الأمل لتأخذ فرصتها و ترى النور قريبا، فهؤلاء واثقون انه اذا كان فيليكس قد نزل بسلام على قدميه بحكم الجاذبية ، فان الصنم نازل، بحكمة دورة تاريخية، رأسه قبل البواقي٠٠أليس رأسه انت ! أمام المصدح بإحساس رفيع أخاطب المستمعين من شعب أُشهِد الله ، دون حاجة الى اليمين أمامك ، أني احبه وأرضا آكل خيرها ولا أعشق غيرها عشقا غير مؤقت ٠٠٠٠ و احبها اكثر حين استحضر مئات الجمعيات التي صارت تنشط و تمد يد العون لهذا الشعب و تزرع على وجوه الغلابى البسْمة من دون جمعية “بسمة”،٠٠هنا عبر موجات الاذاعة الوطنية أنحاز للحقيقة و لا لشيء سواها، ليس عليّ رقيب الا الله وحده ومن بعده ضميري ٠٠اشكر طيف موجاتها المحرَّر ٠٠لا كما الطيف! ملأتَ المكان أنت و الزمان ، فكنت و لم تكن حامي الحمى و الدين و أطعمتهم من جوع وأمنتهم من خوف، ثم فجأة كأن لم تكن !ا المشردون في تونس نصل اليهم بسهولة ما بين ثنايا محطة برشلونة و البساج ،و دون عناء نتعرف على أماكنهم التي يربطهم بها قصة و عشق ، كلّ في مكانه الذي يعتبره نصيبه من أرض الوطن وقدَرهُ الى حين، ،و أنت غدرتنا فغادرتنا الى المجهول بلا عنوان ،إذ لا نعلم لك رقم هاتف و لا رقم منزل حيث تقطن و لا اسم نهج و لا صورة و لأصوت كأن لم تكن ٠٠كما الطيف! فكيف وأين تصلك رسالتي ؟ عبقري انت في عالم الكمبيوتر كنت و لم تكن ،فحاولت التعرف على عنوانك على الفايس بوك عساني ارسل لك رسالتي دون أن تصبح صديقي ٠٠عذرا فأصدقائي كلهم “خالعون” و ذوات مرئية بقلب ابيض و جسد أحمر تونسي الرائحة ، “اللطف منّك يا لطيف” هناك حتى في عالم الانترنت الفسيح لم يستوعبك الفضاء ،فلم أجد لك أثرا و لا صفحة٠٠ثم سرعان ما استحضرت أنك تلعن الانترنت و أنا متفهم لمشاعرك و أعذرك لعلمي أنك كلما كتبت اسمك باغتتْك لعنة كلمة ” المخلوع” من المحرك غوغل مهما استنجدت بعمار 404 عليه رحمة الله ..غوغل يصرّ على”المخلوع ” ولا يفهم الكوع و لا البوع٠٠فرصة سانحة فكن الخالع أنت، قبل أن تأتي سكرات الخالع الاكبر! الاعلامي مقداد الماجري