سياسة

''سحب الوكالة''.. مبدأ غير قابل للتنفيذ لهذا السبب

زووم تونيزيا | الأربعاء، 13 ماي، 2020 على الساعة 16:36 | عدد الزيارات : 5684
أثار مقترح تعديل الفصل 45 من النظام الداخلي للبرلمان المتعلق بمنع ما يسمى بـ"السياحة الحزبية"، وتصريح رئيس الجمهورية، قيس سعيد، بداية الأسبوع الجاري، الذي توجه به إلى نواب المجلس وقال "إن الشعب قادر على سحب الوكالة ممن خان الأمانة"، نقاشا وجدلا حول قابلية تطبيق ذلك وجدواه، من جهة، وحول تعقد الصلاحيات وتشابكها بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من جهة أخرى.  

 

ولئن كانت فكرة وضع آليات جدية لفرض الانضباط على نواب الشعب والالتزام بالقيام بالمهام التي انتخبوا من أجلها والحد من السياحة الحزبية والتنقل بين الكتل، هو مبدأ تتفق عليه، نظريا، كل الأطراف السياسية بمختلف ألوانها حسب التصريحات الإعلامية في هذا الشأن، فإن الإشكال يبقى قائما عند المرور إلى تجسيد هذا المبدأ.


ويتعلق الإشكال الرئيسي بكيفية تحقيق المعادلة بين إفساح المجال أمام النواب "الجديين" للعمل والتحرك دون وضعهم تحت طائلة تهديد وضغوط سحب الثقة أو ما عبر عنه رئيس الجمهورية بسحب الوكالة، ووضع آليات للحد من حالات التسيب وعدم الانضباط في الحضور والعمل داخل مجلس نواب الشعب الذي شهدته الفترة النيابية السابقة والحالية أيضا.


وبخصوص إمكانية تطبيق مبدأ سحب الوكالة من عدمه، فقد أكد أستاذ القانون الدستوري محمد عطيل الظريف، أن هذا المبدأ غير قابل للتنفيذ في ظل المنظومة القانونية الراهنة، حيث لا يوجد أي سند قانوني يسمح بإعفاء النائب من مهامه قبل انتهاء مدته النيابية.


وبين أن الأمثلة قليلة جدا في التاريخ في ما يتعلق بالعمل بآلية سحب الوكالة وموجود في عدد قليل من الدساتير في العالم على غرار دساتير ولايتي كاليفورنيا (1911) ولوس أنجلس (1903) بالولايات المتحدة الأمريكية ، كما أن المضي في سحب الثقة من النواب قبل انتهاء المدة النيابية في هذه الأمثلة يرتبط بشروط صعبة تتمثل بالأساس في توقيع عريضة من قبل عدد كبير من الناخبين يحدده الدستور وإيداع كفالة مالية من قبل الناخبين الذين وقعوا على عريضة سحب الثقة .


ولفت أستاذ القانون الدستوري إلى أن الدستور السابق للجمهورية التونسية كان ينص صراحة على أن النائب هو نائب عن الأمة جمعاء والسيادة للشعب بما يعني أن التفويض غير قابل للفسخ والسحب، وهو ما يضمن استقرار البرلمان وحماية النائب من البقاء تحت طائلة التهديد والضغوطات وإذا ما قصر في مهمته تتم محاسبته سياسيا في الانتخابات اللاحقة.


أما في صورة تنقيح الدستور والقوانين ذات العلاقة وإقرار آلية سحب الوكالة من النائب، وهو ما لا يمكن حدوثه قبل تركيز محكمة دستورية، فقد أقر عطيل الظريف إمكانية وجود إيجابيات وكذلك مخاطر لاعتماد هذه المبدأ، ذلك أنه ومن وجهة نظر إيجابية فإن النائب يعمل تحت طائلة إمكانية إعفائه والوعي بأنه إذا لم يطبق وعوده فإنه يفقد مصداقيته وتتم محاسبته سياسيا حتى بالنسبة للاستحقاقات الانتخابية اللاحقة.


في المقابل فإنه إذا ما كان سحب الثقة أو سحب الوكالة أمرا سهلا إجرائيا فان النائب الذي يقوم بعمله ويكون صادقا ويعمل على مقاومة الفساد، من الممكن أن يقع تحت طائلة النفوذ المالي للوبيات رجال الأعمال ويتم بصفة كيدية جمع إمضاءات وهمية أو مدفوعة الأجر لسحب الثقة منه ، وفق ذات المصدر.


وأضاف أستاذ القانون الدستوري أن سهولة إجراء سحب الثقة، ولو بطريقة كيدية، يمكن أن يخلق مشكل عدم استقرار في البرلمان إلى جانب إمكانية المرور في كل مرة لتنظيم انتخابات تشريعية جزئية لسد الشغور ما يثقل كاهل هيئة الانتخابات والدولة بتكاليف هي في غنى عنها.


وبخصوص الحلول المقترحة لتعديل الفصل 45 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب لفرض الانضباط ومنع السياحة الحزبية بين الكتل البرلمانية، شدد أستاذ القانون على أن الدستور أو القانون الانتخابي يجب أن ينص صراحة على آليات تضمن ذلك على غرار الدستور المغربي في الفصل 61 وفصل آخر في النظام الداخلي يتطابق مع الدستور، ينص على أن "يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين ( نظام الغرفتين) كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه في الانتخابات أو الفريق أو المجموعة التي ينتمي إليها . وتصرح المحكمة الدستورية على شغور المقعد بناء على إحالة من يعنيه الأمر وذلك وفق النظام الداخلي للمعني."


وأضاف أن العديد من التنقيحات المقترحة من قبل مختلف الكتل من شأنها فرض الانضباط وتنظيم العمل شرط أن لا تتعارض مع القانون الانتخابي والدستور اللذين لا يمكن للنظام الداخلي للمجلس تعويضهما، وتتراوح العقوبات المقترحة بين التنبيه والإخراج من قاعة الجلسة إلى الحرمان من تحمل المسؤوليات التي تولاها بناء على انتمائه خلال الانتخابات، وذلك داخل هياكل البرلمان أو الهياكل الاقليمية والدولية التي يتعامل معها المجلس.


وقال إن هذه المقترحات تبقى بدائل معقولة ومقبولة إلى حد ما، بدلا من الحديث عن مسائل تزيد من تأجيج المعارك السياسية وتعقيد المناخ السياسي المتأزم أصلا، لاسيما والبلاد تمر بوضع اجتماعي واقتصادي صعب يستوجب وحدة وطنية وتضافر كل الجهود للخروج من الأزمة الراهنة المترتبة عن انتشار فيروس كورونا المستجد وتعطيله للاقتصاد الوطني ومعدل النمو المستقر في حدود الصفر فاصل.