سياسة

بين الهايكا و هيئة الحقيقة و الكرامة..الازدواجية في التعاطي مع الهيئات الدستورية !

مراد الشارني | الخميس، 12 فيفري، 2015 على الساعة 13:53 | عدد الزيارات : 3949
صحيح أن الممارسة السياسية تتناقض مع المبادئ أحيانا..و معلوم أن الأيديولوجيا تؤثر في السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة..لكن هل تبرر المصالح السياسية ازدواجية الخطاب لدى البعض من نخبنا تجاه قضايا محل توافق و إجماع وطني و كوني مثل مسألة حرية الإعلام و الصحافة ....وهل تمنع الايديولوجيا بعض الأطراف من الانحياز الواضح و المعلن و دون "فرز" لضحايا القمع و الاستبداد ودعم "حقهم الدستوري" في "الحقيقة و الكرامة" ؟

 

في الحقيقة ما يدفعنا لمثل هذه التساؤلات ، هي حالة الازدواجية في الخطاب و المعايير و المواقف التي تتخذها "نخبنا" ممثلة في بعض الشخصيات السياسية و الأحزاب و المنظمات منهجا في التعاطي مع هيئتين دستوريتين جاءت بهما الثورة ، و هما هيئة الحقيقة و الكرامة و الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) ، و تعنى الأولى بملف العدالة الانتقالية.. و ما أدراك ما العدالة الانتقالية..في حين أوكلت للثانية مهمة تعديل قطاع الإعلام السمعي و البصري مع ضمان حرية الإعلام..

و ما أدراك ما حرية الإعلام.. و رغم الاختلاف في المضمون..فإن الهيئتين متشابهتين من حيث الشكل فكلتاهما دستوريتان..و أعضائهما منتخبون من قبل أعضاء المجلس الوطني التأسيسي الذي منحهما الاستقلالية في أداء المهام الموكلة لكليهما..لكن، و بالرغم من هذا التشابه الذي يصل حد التطابق بين الهيئتين من الناحية القانونية و الدستورية ، و كذلك من ناحية الاستقلالية عن الأجهزة التنفيذية للدولة و الحياد تجاه التجاذبات السياسية ، فإن التعاطي مع كل واحدة منهما (الهيئتين) من قبل بعض الأحزاب و المنظمات و حتى من قبل بعض المؤسسات الإعلامية يختلف بشكل واضح و جلي لا ينكره إلا جاحد..

فالذين "يدافعون" اليوم عن "الهايكا" و "استقلاليتها"..و يصدرون البيانات الداعية إلى "احترام القانون" و يهددوننا "بالفوضى" و "قانون الغاب" إن لم نقبل بقرارات الهايكا ، كما هي ، و دون نقاش و لا تفسير و لا تبرير ، بحجة أنها هيئة "عليا".. "دستورية" و "مستقلة"..و اللذين يحرّكون اليوم الحملات الإعلامية "لإنقاذ" الهايكا - بعد أن دخلت في مواجهة "سياسية" بغطاء قانوني و مؤسساتي ( بالوكالة ربما ) مع عدد من المؤسسات الإعلامية التي لا تطلب أكثر من حقها في الوجود !- و تقديمها في صورة "الضحية" التي "تتحمل مسؤولية قيامها بواجبها و تطبيق القانون"...

هؤلاء هم أنفسهم من قادوا حملات التشويه ضد هيئة الحقيقةو الكرامة..وهم أنفسهم من "سلخوا" رئيستها السيدة الحقوقية سهام بن سدرين و نعتوها بأبشع النعوت في المنابر الإعلامية المرئية و المسموعة (المُعدّلة بمقاييس الهايكا) ..وهم أنفسهم من حرّضوا بعض الجهات داخل أجهزة الدولة على التمرد على هيئة الحقيقة و الكرامة و منعها من القيام بأعمالها كما ينص على ذلك الدستور صراحة ، و في حادثة منع الهيئة من نقل أرشيف الرئاسة و الاعتداء على رئيستها خير مثال ..وهم أنفسهم الذين حشدوا "خبرائهم" و "تجار القانون" للتشكيك في صلاحيات الهيئة رغم أن الدستور واضح في هذا المجال و لا يحتاج لفقه أو "لفلسفة" قانونية..وهم أنفسهم من قالوا أن هيئة الحقيقة و الكرامة ليست "هيئة دستورية" أصلا (تصريح القيادية في نداء تونس بشرى بالحاج حميدة لإحدى المؤسسات الإعلامية بخصوص "عدم دستورية هيئة الحقيقة و الكرامة)..

هذا هو واقع جزء من نخبنا للأسف..هذه هي الحقيقة التي لا يريد البعض الاعتراف بها..وهي أن كل شيء اليوم أصبح مطروح للتجاذبات و المزايدات..و كل شيء أصبح خاضعا للبراغماتية و لعبة المصالح السياسية و الحزبية الضيقة ،حتى القيم و المبادئ التي من المفترض أنها محل توافق و أنها تجمع و لا تفرق..و هو ما يدفعنا للحيرة و التساؤل :

هل هناك لون للحرية ؟

هل هناك "ايديولوجيا" لحرية الصحافة و الإعلام ؟

هل هناك استبداد مقبول و آخر مُدان ؟

هل هناك "كراس شروط" على أساسها تقرر بعض الأحزاب و المنظمات مساندة – باسم حرية الإعلام –مؤسسات إعلامية دون أخرى ؟

هل هناك "كراس شروط" على أساسها نكرم و نمجد بعض ضحايا الاستبداد و نحتقر و نشوّه البعض الآخر ؟