سياسة

يوسف الشاهد ورقعة الشطرنج..بين الخداع ومناورة الحرب على الفساد

زووم تونيزيا | الثلاثاء، 28 أوت، 2018 على الساعة 12:46 | عدد الزيارات : 2993
سأحاول تناول مسار يوسف الشاهد منذ تمكنه من اقتحام مبنى القصبة، بعيدا عن التجني أو التملق.  

 

 

تمكن يوسف الشاهد من كسب ود غريمه اليوم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بعد مروره بمحطات سابقة لا أعتقد أنها تستحق الكثير من التحليل، عدى كون هذا الرجل ومنذ ولوجه الحديث لعالم السياسة بحث جاهدا عن الجواد المربح، ووجد ضالته في الباجي قائد السبسي الذي عينه رئيسا لحكومته بعد أن أوهمه قبل أن ينقلب عنه بكونه وزيره الأول .


- يوسف الشاهد، قدرة على الخداع واستعمال الآخر:
المتابع لمسار يوسف الشاهد منذ تنصيبه رئيس حكومة يمكن أن يلاحظ أن هذا الأخير متأثر بشكل كبير بلعبة الشطرنج، فتراه متمثلا في دور الملك الذي يستعمل البيادق في حربه مع الخصم والحصون للاحتماء من العدو... .
هذه الصورة تبرز في استعمال الشاهد لوزراء حكومته وتأليبهم عن أحزابهم لحماية مجاله .


كما تبرز هذه الصورة عند التمحص في مسار رئيس الحكومة ومكره في استعمال حصون تحميه في كل مرحلة وفترة، فهو الذي تمكن بحسن تدبيره ومكره من اغواء رئيس الجمهورية ومن خلاله تمكن من ربط وتشبيك علاقات ودية مع أهم المكونات السياسية والوطنية، وانطلق بعدها في التلون والمداهنة باظهار شيء واستبطان شيء آخر. فهو الذي ربط علاقة وطيدة جدا مع الاتحاد على حساب بقية المكونات الموقعة على وثيقة قرطاج وتمكن من الاحتماء به من شر المتربصين به، حتى أن الباجي قائد السبسي قد فكر طويلا في تقويم دوره، لكنه وجد أمامه حصنا عنيدا وشامخا وهو الاتحاد ليمنعه من المس من الشاهد الذي أظهر بشكل متكرر ودا للباجي لفترة طويلة. ثم وبمجرد شعور الشاهد بأن صندوق النقد الدولي أصبح ملحا في إنجاز "الاصلاحات-الاملاءات الكبرى والتي وقف ضدها الاتحاد والتي يقابل عدم الرضوخ لتطبيقها عدم صرف الجزء الثالث من القرض المقرر الحصول عنه، ليغير الشاهد حليفه ويشرع في رحلة البحث عن حصن آخر يحتمي به في وجه الآخرين وخاصة في وجه الاتحاد الذي وجه له سهامه عبر بيادقه.


 "فبحيث" تجده خلال الانتخابات البلدية بمثابة ذالك المنخرط القاعدي في حزب نداء تونس يقوم بتوزيع المطويات لإقناع الناخبين للتصويت لحزب "نداء حافظ قائد السبسي" وليصرح بكونه على نفس التوجه مع رئيس الجمهورية، لكن وبمجرد رفض حافظ قائد السبسي لهذا العرض، ترفع السهام والسيوف في وجهه ثم ليصبح عنوان الفشل والفساد والسقوط (وهو كذلك)، بعد أن كان في برج شامخ (في تعاملات الشاهد) . وهنا أصبحت المعركة تدار على جهتين، من زاوية تجاه الاتحاد ومن زاوية أخرى تجاه نداء حافظ ونداء قرطاج... لكن مكر وتدبير الشاهد مكنه من التحصن بالمنتظم الدولي والمانحين الدوليين الذين أصبحوا "شركاء في القرار الوطني" بدعوتهم للتونسيين بالمحافظة على الاستقرار الحكومي، وهذا ما جعل النهضة تدخل لمربع حصون الاحتماء المعتمدة ليوسف .
لكن لأي مدى ينجح هذا التكتيك، وإلى أي مستوى يتمكن الشاهد-الملك من استعمال كل مكونات رقعة الشطرنج ؟


- مناورة الحرب على الفساد:
عشية انقسام الشعب والنخبة التونسية حول مشروع قانون المصالحة أو كما وجب تسميته قانون تبييض الفساد، وتزامنا مع أحداث "الكامور" وما رافقها من زخم سياسي حول آفة الفساد التي أصبحت تنخر الدولة التونسية، واثر عقد الحزب الجمهوري لاجتماع شعبي مهيب بقاعة المؤتمرات حول آفة الفساد وذكره لعدد من رموزه بالاسم، قام الشاهد بتحريك الملك (في رقعة الشطرنج) ليصبح مركز اهتمام الجماهير الواسعة المتذمرة من آفة الفساد، بعد الصياغة الجيدة لسيناريو المسرحية على الفساد، حيث قام باعتقال أحد رموز هؤلاء الفاسدين من الذين أعلنوا عدائهم للباجي وابنه ولأوساط واسعة من الشعب التونسي (وبهذه الطريقة يضرب عصفورين بحجر واحدة) . 


 فشل هذا السيناريو وانكشفت خدعة الحرب على الفساد بمجرد صمته عن تعيين عدد من وزرائه لمستشارين صادرة في حقهم أحكام سجنية لقضايا فساد أو لتعيينه هو نفسه لمستشار محكوم بالسجن ومتحصل على العفو بموجب قانون المصالحة مع الفاسدين، أو الاقتصار الحملة على بعض الأشخاص دون الحيتان الكبرى، بما يمكن توصيفها بكونها كانت انتقائية (a la carte).


- سياسة اتصالية ماكرة:
إن التدقيق في السياسة الاتصالية المعتمدة من قبل يوسف الشاهد منذ وصوله للقصبة يمكن له أن يكتشف أن هذا الأخير  لم يكن ولو لمناسبة يتصرف على طبيعته مثلما يفعل الزعماء الحقيقيون الذين خلدو أسماءهم في التاريخ (خاصة لمن يعرف الشاهد عن قرب قبل أن يصبح رئيس حكومة..)، فكل إطلالاتها الإعلامية مبنية على تعليب وفبركة الشركات والمخابر الاتصالية، حتى أن آخر الفضائح كُشفت في صحيفة "ذو قاردين" البريطانية والتي فضحت الشاهد بتلقيه أموال من قبل الحكومة البريطانية لإخماد الاحتجاجات الشعبية المناهضة لقانون المالية لسنة 2018 واعتماد سياسة اتصالية حرفيةة. هذا بالإضافة للتعمد الخبيث والمداهن للشاهد وفريقه الوزاري عند كل أزمة على تثمين فقرة أو جزء شعبي وجماهيري لحل الأزمة، بينما يحاول تغييب وتقزيم الجزء الرئيسي الكارثي والمعادي للشعب، مثلما حصل في السياسة الاتصالية المعتمدة في قانون المالية لسنة 2018 والخيارات المؤلمة على الطبقات الوسطى والضعيفة...


هذا القليل من مسار رئيس الحكومة يوسف الشاهد  الذي يبدوا رمزا لعدد من مناصريه (منهم من خدعته الصورة ومنهم من أعجبهم وأبهرهم مكره هذا)، لكن أقول لأصدقاء ومناصري الشاهد أن "رمزكم" لن يكون "تشرشل"  حتى بتقليده لمقولته الشهيرة "ليس لبريطانيا أصدقاء دائمون وأعداء دائمون، بل مصالح دائمة". لأنه حتى ميكافيلي في كتاب "الأمير" القائم على مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة " والذي يلخص حياة هؤلاء وقدرتهم على التصنع واعتماد الوسائل لبلوغ الغاية المرجوة من دون أخلاق ومبادئ سياسية، والاستعداد لتقليد سلوك الرجال العظماء فلهم حدود ولهم فترة صمود ومخاتلة تنتهي بسرعة ودون تخليد رمزيتهم في الذاكرة، لأن حبل التصنع والمخاتلة والمكر قصير.

 

بقلم وسام الصغير

كلمات مفاتيح :
يوسف الشاهد