سياسة

العجز المالي الليبي وحكومة الوفاق الوطني : بداية الإنفراج ؟

بشير الجويني | الأربعاء، 7 ديسمبر، 2016 على الساعة 11:09 | عدد الزيارات : 8939
يتوقع تقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السنة الحالية ، أن يستمر العجز المالي وعجز الحساب الجاري في ليبيا خلال المدة المقبلة، ليصل عجز الموازنة العامة إلى حوالي 60 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، وعجز الحساب الجاري إلى 70 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي.

 

ومن المتوقع،وفقا لاستقرار(مفترض) للعملية السياسية، أن يعود النمو إلى التعافي في السنوات القليلة القادمة خاصة مع توقعات بوصول إنتاج النفط الليبي إلى كامل طاقته، ليصل حسب توقعات مؤسسات مانحة إلى 46 بالمائة نهاية سنة 2017 و15 بالمائة نهاية عام 2018 وذلك لطبيعة الاقتصاد الريعي وجودة الخام الليبي.

 

كما ذكر تقارير مختلفة أن الصراع السياسي الذي شهدته ليبيا منذ 5 سنوات أضر بشدة بالاقتصاد، الذي ظل في حالة ركود للعام الثالث على التوالي خلال عام السنة الحالية، ورغم أن دخول حكومة السيد فائز السراج إلى طرابلس مثل إشارة جيدة إلا أن الصراع السياسي والظروف الأمنية وحصار المنشآت النفطية وعدم تقديمها خدمات ملموسة يضعف جانب العرض مقارنة بالطلب، الذي انكمش بنسبة 10 بالمائة ، وانخفض إنتاج النفط الخام لأدنى مستوى له إلى نحو 0.4 مليون برميل يوميا، ما يوازي ربع الطاقة الإنتاجية للبلاد، واستمر ضعف القطاعات غير النفطية بسبب اختلالات في سلاسل القيمة المرتبطة بتوريد المنتجات المحلية والأجنبية دون ضوابط ولا سياسة واضحة، ونقص السيولة وخاصة ارتفاع سعر الصرف الذي وصل إلى مستويات قياسية.

 

كما تسارعت وتيرة التضخم ليصل معدله إلى 9.2 بالمائة نهاية 2016،(ويسجل رقما قياسيا بلغ 24 بالمائة) وهو ما يرجع أساسا إلى زيادة نسبتها 13.7 في المائة في أسعار الغذاء، كما أدى نقص التمويل اللازم للواردات (لاسيما الأغذية المدعومة) إلى نقص السلع واتساع نطاق السوق السوداء، وقفزت أسعار الطحين إلى أربعة أضعاف ليصل سعر الرغيف إلى 5 و وصل إلى 7 أضعاف.

 

كما أبرزت تقارير مختصة أن إمكانية استمرار الجمود السياسي (لدى بعض الأطراف) مع انخفاض أسعار النفط العالمية أمور أضرت بالمالية العمومية، فقد انخفضت إيرادات الميزانية العامة للدولة من القطاع النفطي إلى خمس مستواها قبل الثورة، ولكن ظل مستوى الإنفاق مرتفعا، وبلغت حصة فاتورة أجور موظفي القطاع العام من إجمالي الناتج المحلي مستوى قياسيا، حوالي 59.7 في المائة، فيما يرجع أساسا إلى تعيينات جديدة لموظفين عموميين.

 

في الوقت ذاته، كانت الاستثمارات غير كافية لتوفير خدمات عامة في مجالات الصحة والتعليم والكهرباء وإمدادات مياه الشرب(من طريق النهر الصناعي) والصرف الصحي، وتم توفير بعض النفقات على إعانات الدعم التي انخفضت 23.6 في المائة، بفضل تشديد الرقابة على سلاسل توريد المنتجات المدعومة وانخفاض أسعار الواردات، وبوجه عام، ارتفع عجز الميزانية من 43 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في سنة 2014، إلى 75 بالمائة من الإجمالي ، وتم تمويل العجز في معظمه من ودائع الحكومة في المصرف المركزي الليبي والتي تتحدث الأنباء عن تدهورها جراء الاستنزاف واستدامة الأزمة.

 

كما أشارت التقارير إلى أن وضع ميزان المدفوعات تدهور سنة 2015 و2016، وانخفضت صادرات النفط إلى 0.3 مليون برميل يوميا، وتشير التقديرات إلى أن عائدات تصدير النفط، وصلت إلى أقل من 15 بالمائة عن مستواها سنة 2012، في الوقت نفسه، ظل مستوى الواردات التي يحركها الاستهلاك مرتفعا، وانتقل رصيد ميزان الحساب الجاري من التوازن عام 2013 إلى عجز يقدر بنسبة 75.6 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2015، ولتمويل هذا العجز، يجري استنفاد احتياطيات النقد الأجنبي بسرعة، وانخفضت هذه الاحتياطات بمقدار النصف من 107.6 مليار دولار سنة 2013 إلى ما يقدر بنحو 56.8 مليار دولار بنهاية 2015.

 

كما واصل سعر الصرف الرسمي للدينار الليبي مقابل الدولار تهاويه، إذ سجل هبوطايقارب 10 في المائة عام 2015، وفي السوق الموازية، انخفضت قيمة الدينار بنحو 160 في المائة، بسبب القيود على معاملات النقد الأجنبي، التي ينفذها المصرف المركزي الليبي رغم الإجراءات التي تاخذتها حكومة الوفاق الوطني أخيرا و التي من المنتظران تعطي نتائج بداية من الثلاثي الثاني من السنة الحالية.

 

كما بينت التقارير المختصة أن تحسن الآفاق الاقتصادية يعتمد بصورة حاسمة على موافقة مجلس النواب على حكومة الوفاق الوطني ومباشرتها أعمالها، في هذا المجال تنبئ التوقعات الاقتصادية والاجتماعية المرجحة بأن حكومة الوفاق الوطني بدأت حكم البلاد باستعادة الأمن وإطلاق برامج لإعادة بناء مرافق البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، وفي هذا السياق، من المتوقع أن يتحسن إنتاج النفط إلى نحو مليون برميل يوميا بنهاية عام 2016.

 

وعلى هذا الأساس، من المنتظر أن يسجل إجمالي الناتج المحلي زيادة نسبتها 22 بالمائة، إلا أن عجز موازين المالية العمومية والحساب الجاري ستستمر سنة 2016، إذ أن عائدات تصدير النفط لن تكفي لتغطية النفقات المقررة في الميزانية، وتكاليف الواردات التي يحركها الاستهلاك الذي يزيد بنسب عالية خلال الصائفة وأكثر من ذلك بكثير خلال شهر رمضان(الذي يتزامن مع شهر6)، وسيبقى عجز الميزانية عند نحو 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وعجز الحساب الجاري عند 70 في المائة من الإجمالي، وعند بلوغ إنتاج النفط طاقته الكاملة، من المتوقع أن يتعافى النمو بنسبة 46 في المائة في عام 2017، و15 في المائة عام ،2018 قبل أن يستقر عند مستوى يتراوح بين 5 و5.5 في المائة بعد ذلك.

 

غير أن موازين المالية العمومية والحساب الجاري ستشهد تحسنا كبيرا، فمن المتوقع أن تسجل الميزانية العامة فوائض انطلاقا عام 2018 فصاعدا، وسيتراجع عجز ميزان الحساب الجاري تدريجيا إلى أقل من 0.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2019، وستبلغ احتياطيات النقد الأجنبي في المتوسط نحو 22 مليار دولار في الفترة 2017-2019، أي ما يعادل تكاليف واردات 8.2 شهر.