سياسة

محمد المؤدب: تشريك الأسلاك المسلّحة في الانتخابات لا يستجيب لا لأولويّات هذه الأسلاك ولا لأولويات المرحلة الحساسة التي تعيشها البلاد

هدى بوغنية | الأربعاء، 21 سبتمبر، 2016 على الساعة 16:49 | عدد الزيارات : 10420
توتر، وجدل وتجاذبات والامر لم يحسم بعد فمنذ انطلاق مناقشة قانون الانتخابات تحت قبة البرلمان برزت جملة من الاختلافات ليضحى مجلس نواب الشعب عاجزا عن البت في موضوع تنقيح القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات التشريعية والتي بدورها تحضر الارضية القانونية للانتخابات البلدية وذلك نتيجة التجاذبات بخصوص مضمون الفصل السادس الذي تقدم بعض النواب بمقترح تنقيحه وحذف كل ما يتعلق باقصاء المؤسسة الأمنية والعسكرية من حق التصويت في الانتخابات البلدية .     

 

وفي ظل تواصل هذه التجاذبات بخصوص مقترح تمكين الأمنيين والعسكريين من ممارسة حقهم في المشاركة في الانتخابات، يأتي تلويح شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بإمكانية تأجيل الانتخابات البلدية الى سنة 2018 في صورة تواصل تأجيل المصادقة على قانونها المنتظر ليتقرر في ما بعد تشريك رئاسة الحكومة في اخذ القرار خاصة مع تواصل فشل لجنة التوافقات في التوافق حول هذه المسألة التي اعتبرها البعض تمثل "العتبة" أمام وصول قانون الانتخابات البلدية الى جلسة عامة للمصادقة عليه.


مجلس نواب الشعب اليوم يقف عاجزا عن البتّ في مشروع تنقيح القانون الأساسي المتعلّق بالانتخابات والإستفتاء...هذا القانون لا ينسجم مع روح الدستور ولا يأخذ بعين الاعتبار خصوصيّات هذه الأسلاك..من مقومات المؤسسات الأمنية والعسكرية مبدأ الحياد التام و"اللاسياسة"..الأمنيين والعسكريين هم مواطنون من "الدرجة الأولى"...هذا أبرز ما قاله أمير اللواء المتقاعد والمدير العام السابق للامن العسكري محمد المؤدب في حوار له مع موقع "زووم تونيزيا" اليوم الاربعاء 21 سبتمبر 2016.


وقد في ما يلي نص الحوار:


منذ انطلاق مناقشة قانون الانتخابات برزت لنا جملة من التجاذبات خاصة في ما يتعلق بمقترح تمكين الأمنيين والعسكريين من ممارسة حقهم في الانتخابات، فماهو تقييمك لهذا المقترح ومدى تأثيره على المؤسسة الأمنية والعسكرية؟ وهل هذا القانون معمول به في البلدان المتقدمة؟ وكيف تقيم تجربتهم مع هذا القانون؟


هذا القانون معمول به في عدة دول متقدمة وهناك العديد منها التي تسمح للامنيين والعسكريين بالانتخاب وحتى الترشح خاصة للمجالس البلدية منها فرنسا لكن وكملاحظة أولى فان هذه التجارب لا تعد ناجحة بدرجة كبيرة وكملاحظة ثانية يوجد فرق كبير بين تونس وهذه الدول وهذه المجتمعات التي قامت بتركيز مؤسساتهم الديمقراطية لتصبح لديهم تقاليد وسلوكات يومية  فـ 17 ديسمبر 2010 أو 14 جانفي 2011 في تونس تقابل 1789 لذلك تعتبر تونس في مرحلة متأخرة جدا مقارنة بهذه الدول ففي تونس مازلنا في الخطوات الأولى ومازالت العديد من المؤسسات الدستورية التي لم ترى "النور" الى حد اليوم ومازالنا نعيش في وضعية هشة فيكفي فقط مقارنة أوضاعه هذه البلدان بأوضاع تونس لا فقط على المستوى الاقتصادي الاجتماعي والأمني، بل خاصّة من حيث تركيز المؤسّسات بما فيها المسلّحة وتكريس مبادئ الديمقراطيّة في السلوك اليومي للمواطن، والسؤال المطروح هنا هل تجوز المقارنة أصلا؟ ففي اعتقادي نحن بعيدون كل البعد عن هذه الدول.


نحن نعلم جيدا أنه ومن مقومات المؤسسة الأمنية والعسكرية مبدأ الحياد التام وطابعها اللاسياسي، هل في اعتقادك أن هذا القانون بامكانه أن يخلق أزمة بين الأمنيين والعسكريين خاصة وأننا سنصبح نتحدث عن ميولات شخصية حزبية ومن ثم ولاءات التي من الممكن ان تأدي الى انقسام وتشتت داخل هذه المؤسسات؟


  لا بدّ من الإلمام جيّدا بخصوصيّات هذه الاسلاك الأمنية ومقتضيات نجاحها في مهامها والمتمثلة أساسا في حماية تونس، لكن وللأسف هناك العديد من يجهل ذلك فمن أهمّ خصوصيّات هذه المؤسّسات الأمنية والعسكرية الانضباط والحياد التام وطابعها اللاسياسي الذي يعتبر أهمّ مقوّماتها وانسجام مكوّناتها والتضحيّة بالنفس عند الاقتضاء، فالعون الحامل للسلاح لديه عقليّة معينة وخصوصيات معينة لا تتماشى مع مبدأ مشاركته في الانتخاب، فمن ناحية أخرى نحن نعلم جيدا أن من مسؤولية الأمنيين والعسكريين حماية هذه الانتخابات وضمان مصداقيتها فكيف يخول اذن الى أمني أو عسكري حامل للسلاح بأن يتخلى عن مسؤولياته ولو للحظة واحدة للتفرغ لعملية التصويت خاصة في ظل الوضع الذي تعيشه البلاد من ارهاب وتهريب والعديد من المهام الأخرى، من سيتولى تلك المهام يوم ممارسة العسكريّين والأمنيّين عمليّة الانتخاب، حتّى و لو كانت بالمراسلة؟ هل لهذه الأسلاك القدرة الكافية للقيام بكل هذه المسؤوليات؟ أنا أقول أن هذا الامر ليس بالمعقول وأن حدث فستكون له مخلفات سلبية على حساب المهام الاصلية للمنظومة الأمنية.


الاشكالية المطروحة اليوم والتي في اعتقادي يجب التمعن فيها هي علاقة هذه المؤسسات بالسياسية فممارسة عمليّة الإنتخاب تفترض من الناخب، سواءا كان مواطنا عاديا أو عسكريا و أمنيا، أن يولي اهتمامه بالشأن السياسي من أحزاب و مترشّحين و برامج و خيارات سياسيّة حتّى تتبلور لديه مواقف وقناعات شخصيّة يصوّت للجهات السياسيّة التي تتبنّاها و بالتصويت فهو يعبّر عن قناعات سياسيّة يمكن أن تتطوّر إلى ميولات و من ثمّ إلى ولاءات وهنا نتحدث عن مخاطر كبيرة يمكن أن تنجر عن هذه الميولات وانا في اعتقادي ان هذه ليست بدعوة بسيطة للانتخاب بل هي دعوة للتّسيس وبالتالي ستصبح هذه المؤسسات فضاء للاطراف الفاعلة سياسيا وللمناورات التي يمكن أن تأثر سلبا على حياد هذه المؤسسات وانضباطها وعقليتها الخاصة وهنا لا يمكننا ان نتناسى بأن السياسة والسلاح شيئان متناقضان لا يمكن الجمع بينهما.


بعض الكتل المدافعة عن هذا المقترح تؤكد حرصها على تمكين أفراد هذا المؤسّسات من كامل حقوقهم الدستوريّة كبقيّة المواطنين، فهل في اعتقادك يمكن أن يصبح هذا المقترح مطلب أساسي للأمنيين والعسكريين باعتبار أن عدم مشاركتهم في الانتخابات يعتبر إقصاء من حقوقهم التي ذكرت في الدستور؟


صحيح أنّ الدستور نصّ في فصله 34 على أنّ حقوق الانتخابات والاقتراع والترشّح مضمونة طبق ما يضبطه القانون و هذا ينسحب طبعا على جميع المواطنين، إلاّ أنّ ذات الدستور نصّ في فصله 49 على أن يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها حيث لا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطن أذن وبهذا الفصل  يتّضح جليّا أنّ عدم ممارسة هذه الأسلاك لعمليّة الانتخاب هو إجراء دستوري، و ليس كما يروّج له البعض، إنكارا لذلك الحقّ على أولائك الأعوان أو استنقاصا من مواطنتهم في الحقيقة، إذ لا تشوب مواطنة الأمني او العسكري الحامل للسلاح أيّة شائبة تستوجب التدارك أو الشك وهذه مغالطة كبرى خلقها المدافعون عن هذا المقترح بهدف الاقناع.


  لكن وبطبيعة الحال يبقى هؤلاء الأعوان مواطنون كاملي الحقوق، لديهم خصوصيّات عدة تفرضها طبيعة مهامّهم، كما انهم يخضعون لأنظمة أساسيّة خاصّة تفرض عليهم العديد من القيود على حرّيات يتمتّع بها غيرهم من المواطنين بدءا بحقهم في الترشّح للمناصب النيابيّة الوارد في نفس الفصل 34 مع حقّ الانتخاب وحقهم في حرّية الرأي والتعبير والإعلام و النشر الى جانب حرّية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيّات وحريّة الاجتماع والتظاهر...هنا نأكد على أن مواطنة الأمنيين والعسكريين لا يمكن أن تقاس بهذا القانون ولا يمكن ان نشكك فيها بمجر تمكينهم من حقهم في الانتخابات فهم مواطنين من درجة خاصّة، أو بالأحرى هم مواطنون من "الدرجة الاولى" نظرا الى أهمية المهام الموكلة لهم وما يقمونه للبلاد.


 في الأخير، أنا اعتبر أن مقترح تشريك الأسلاك المسلّحة لا يستجيب لا لأولويّات هذه الأسلاك ولا لأولويات المرحلة الحساسة التي تعيشها البلاد، بل بالعكس ستقحمها في تجاذبات ومناورات سياسيّة يمكن أن تؤدي بنا الى ما لا يحمد عقباه.