الملسلسل لم يُحقّق في تركيا نجاح باهر كما كان مُنتظر منه رغم وجود واحدة من أشهر النجمات في تركيا وفي العالم العربي عموما "بيرين سات"، وقد خيّب آمال الكثير وكانت نسب المشاهدة ضئيلة جداً ممّا جعله مُهدّد بالإيقاف وممّا جعلهم يستنجدون بعديد اللقطات من المسلسل الناجح "القرن العظيم" والذي عُرف بإسم حريم السلطان، إضافة إلى أنّ النسبة المتدنية جعلتهم يُسرّعون في الأحداث الشيء الذي جعلهم يُخطئون في عدّة مرّات سواء كان الخطأ فني تقني أو تاريخي.
في تركيا عرض المسلسلات مختلف عنا في تونس، حيث أنّ المسلسلات تُعرض مرة واحد في الأسبوع ولمدّة ساعتين، وبناءً على نسب المشاهدة يتمّ أخذ قرار الإستمرار في التصوير أو إيقاف العرض، وقد تمّكنت "كوسيم " في الحلقة الأولى من تحقيق نسبة عالية جداً ذلك أنّ الجميع كان ينتظر المسلسل ومتشوّق له إلاّ أنّ هذه النسبة سرعان ما بدأت تقل اِبتداءً من الحلقة الثالثة الشيء الذي أجبر المسؤولين عن المسلسل للإسراع في إظهار الممثلة "بيرين سات" من أجل رفع نسب المشاهدة بعد أن كانت في الحلقات الست الأولى البطلة تُجسدها ممثلة أخرى في صغرها لتدخل "بيرين سات" المسلسل مع الحلقة السابعة إلاّ أنّ دخولها لم يشفع للمسلسل ولم يُنقذه من النسب المتدنية التي اِستمرت في النزول حتى الحلقة الأخيرة.
وإن تحدثنا عن القرن العظيم الذي عُرف في العالم العربي بنسخته المُدبلجة "حريم السلطان" فنجد أنّ أخطاء ذاك المسلسل في 4 أجزاء لا تأتي في أخطاء المسلسل الجديد في جزء واحد، فالمغالطات تبدأ مع أول قصة للبطلة، حيث أنّ الأحداث أفادت أنّ "كوسيم" جاءت هدية من جدّة السلطان أحمد الأول بعد أن أُعجِب بصورتها، غير أنّ الحقيقة التي وردت في كتاب "الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث" بيّنت أنّها وقعت في أسر بكلربيك البوسنة، وأرسلها ضمن مجموعة هدايا إلى قصر الباب العالي في إسطنبول، وحضرت كفتاة صغيرة في قافلة للأسرى إلى إسطنبول، فيما دخلت بعد ذلك إلى القصر العثماني ورآها السلطان ووقع في غرامها ليضمها للحريم المُخصصات لخدمته.
وقد حمل المسلسل معه خيبات أمل كبيرة على مستوى الكتابة والمعلومات، كانت إحداها لحظة دخول الفنانة بيرين سات للمسلسل، حيث أنّه كان من المنتظر أن تُجسد ممثلة أخرى شخصية كوسيم في صغرها ومن ثم تأتي "بيرين سات" في عمر مختلف، إلاّ أنّه تمّ الاِستغناء عن هذه الفكرة وإظهار بيرين سات في نفس العمر وبنفس الملابس ونفس المشهد إذ أنّ المخرج لم ينتظر مرور بعض السنوات في مجريات الأحداث كي يُغيّر الممثلة، الشيء الذي اِنتقده العديد ولم يتقبله البعض حيث اِستغربوا تغيير الممثلة في نفس اللحظة وخروجها على أساس "أنستازيا" وظهورها في أروقة القصر وهي بيرين سات "كوسيم" .
وإن تحدثنا عن المُغالطات، فإنّ أكبر مُغالطة كانت موت السلطانه ماهفيروزة في أحداث التمرّد، التي وثّق التاريخ تواجدها لما بعد موت السلطان أحمد وتنصيب ابنها سلطاناً ومنحها إسم "السلطانة الأم" بذلك.
في المسلسل، ماهفيروزة الزوجة الأولى للسلطان أحمد ووالدة الأمير عثمان التي قُتِلت خلال أحداث التمرّد داخل وخارج القصر العثماني ليبقى الأمير بين يدي "كوسيم" التي تُقرّر تربيته كأحد أبنائها، غير أنّ الحقيقة لم تذكر هذه الأحداث بتاتاً حيث أنّ "ماهفيروزة" عاشت وقامت بتربية أميرها وحضرت على تنصيبه سلطانا للدولة العثمانية وكانت ذات سلطة و هي أول من أُطلِق عليها إسم "السلطانة الأم" من زوجات السلطان أحمد.
ماهفيروزة كانت أيضاً من ضمن أقوى السلطانات التي عرفتها الدّولة العثمانية وكانت علاقتها متينة جداً مع ابنها، ولم تكن جارية كما أظهرها المسلسل بل كانت قريبة "السلطانة ناهد دوران" زوجة السلطان سليمان، وتزوجها السلطان أحمد عن طريق والدته هاندان سلطان وأنجبت له 4 أمراء من بينهم الأمير عثمان الذي سيعتلي العرش بعد عزل عمه.
تغيير الأحداث في المسلسل أغضب المُتابعين الذين عاقبوهم بعدم الإستمرار في مشاهدة العمل، وقد مثّل مقتل السلطان ماهفيروزة مفاجأة من العيار الثقيل والذي أحدث غضب شديد ظهر في كل مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة في الصفحات الرسمية للمسلسل الذي إعتبروا هذا الخطأ كارثي وسخيف في آن واحد.
وقد هدّدت السلالة الشركسية المقيمين على المسلسل وقالوا " ﻻتعيدوا أخطاء القرن العظيم ولن نسمح لكم أن تكون ماه فيروز ماهيدفران" (ماهيدفران هي ناهد دوران في حريم السلطان)، وقد اِشتكت السلالة الشركسية من تشويه صورة سلطاناتها في التاريخ.
السلالة العثمانية قامت بانشاء موقع الكتروني للقيام بحملة تواقيع من أجل تقديم شكوى رسمية ضد المسلسل بهدف ايقافه وفي نفس السياق أعلنت السلالة الشركسية تأييدها لهذه الاجراءات حيث كتب "مليك كيماي" أحد أفراد السلالة الشركسية "سيد عبد الحميد نحن نفهمك ونتمنى أن يكون مشروعك ناجحا". ويُشار إلى أنّ السلالتين قامتا بحملة تواقيع مشابهة لايقاف عرض مسلسل حريم السلطان وتمكنت من جمع 5000 توقيع لكنها فشلت في ايقاف عرض المسلسل.
من الأخطاء الغريبة في سيناريو المسلسل أنّ السلطانة فخرية عمة السلطان أحمد الأول عرّفت نفسها في إحدى الحلقات بكونها ابنة السلطان محمد الثالث، في حين أنها اِبنة السلطان مراد الثالث والسلطان صفية، وأنّ ذاك السلطان هو شقيقها في الحقيقة وهو والد السلطان أحمد الأوّل.
شخصية فخرية سلطان نالت حظها من التغييرات العميقة والخاطئة أيضاً، إذ ظهرت الشخصية التي سمّمت ابن أخيها السلطان أحمد من أجل إفتكاك السلطة منه و الزواج بعشيقها، غير أنّ خططها فشلت بعدم وفاة السلطان لتُقرّر الهرب والإختباء من السلطان الذي عرف الحقيقة والذي تمكّن بفضل "كوسيم" من القبض عليها وقتلها بإتفاق مع زوجها الذي وضع السم في أكلها، بينما التاريخ لم يوثّق هذه الأحداث أبداً ولم يتحدث عن تعاونها مع "الأميران محمد وشاهين جيراي" لإفتكاك السلطة من إبن أخيها، كما لم يذكر علاقتها السرية مع أحد الأمراء أيضاً.
لا يُنسى أنّ المسلسل غيّر التاريخ مُجدداً فيما يتعلّق بوالدة السلطان "أحمد الأوّل" وهي هاندان سلطان، التي ظهرت شخصية ضعيفة مُقارنةً بمن حولها وبالمنصب الذي تحمله، ولم تكن تمتلك الذكاء الكافي، كما أظهروها المُحرّض الأوّل والأساسي لإبنها من أجل قتل أخيه غير الشقيق الأمير مصطفى، إضافة لكونها كانت على علاقة مع الصدر الأعظم وإنتحرت على إثر معرفة إبنها بالحقيقة.
الحقيقة التي تحدث عنها المؤرخ "ابراهيم بيشفي" تؤكّد ما ورد في المسلسل من أنّه لم يكن لها التأثير السياسي داخل الامبراطورية العثمانية ولا تملك تلك الثروة التي امتلكتها سابقتيها، حيث أنّها عُرِفت بإيمانها بأن النسوة يجب أن لايتدخلن في أمور الدولة، فيما لم يذكر عنها التاريخ أنها عاشت قصة عشق مع الصدر الأعظم "درويش باشا" وانتحرت على إثرها بل توفيّت بطريقة عادية، كما لم يذكر أنّها من حرّضت ابنها السلطان عديد المرات لقتل أخاه الصغير خوفاً من الإنقلاب (حيث أنّ القانون وقتها يُبيح قتل السلطان لاخوته حال صعوده للعرش وذلك خوفاً من الانقلابات) بل كانت من مُسانديه في قرار عدم القتل.
كل هذه الأخطاء وغيرها من التي لم نذكرها، جعلت حفيدة العثمانيين تُصدر كتاب تروي فيه الحقيقة التي تناقلتها أجيال وأجيال من أجل أن تحفظ ذاكرة وتاريخ الدولة العثمانية المجيد، ووفق ما كتبته فإنّ مواصفات السلطانة كوسيم تتلخص في الآتي: المرأة الوحيدة التي عاصرت ست سلاطين زوجها أحمد الاول وشقيق زوجها مصطفى الاول وابن زوجها عثمان الثاني وولديها مراد وابراهيم وحفيدها مراد الرابع، 20 عاما تحكمت في أمور الدولة وهيمنت عليها فعليا و28 عاما كسلطانة أم، كانت خلال مدة حكمها تجتمع برجالات الدولة من وراء حاجب وهي الوحيدة من السلطانات الأم التي توفيت مقتولة بأمر من والدة حفيدها مراد الرابع الذي أمرت بقتلها إثر سماعها نيّة "كوسيم" لقتل ابنها.
الجزء الأول من المسلسل اِستمر ثلاثون حلقة رغم أنّه لم يُحقّق النجاح المطلوب في تركيا، غير أنّ منتج المسلسل أكّد أنّه لا يعمل على السوق التركية بل العربية وأنّ المسلسل ناجح خارج تركيا ولذلك سيستمر في العمل ولن يوقفه، مُعتبراً أنّ فشل "كوسيم" في تركيا هو مسألة ذوق عام لا غير.
وقد اِنتهى الجزء الأول بقتل السلطان عثمان الثاني على يد الإنكشاريين والتنكيل به في الشوراع، وهي الحادثة الأولى من نوعها في تاريخ الدولة العثمانية.".
أما المشهد الأخيرفي المسلسل فقد كان ظهور السلطانة كوسيم رفقة اِبنها مراد الرابع أمام الانكشاريين وبقية أركان الدّولة، وهو ما يُمهد لعهد جديد في الجزء الثاني الذي ستُجسّد فيه ممثلة أخرى شخصية "كوسيم" وليس بيرين سات.
كوسيم سلطان : اِستمرت سلطنتها في عهدي ابنيها مراد الرابع وإبراهيم، وحتى حفيدها السلطان محمد الرابع، وكانت تحكم عوضاً عنهم بحكم صغر سنهم، وعند وفاة زوجها السلطان أحمد، تمّ إرسالها إلى القصر القديم، وجلس على العرش كل من مصطفى الأول وعثمان الثاني، وهنا جمعت حولها مجموعة من رجال الدولة، ولعبت دوراً مهماً بإسقاط هذين السلطانين ووصول اِبنها مراد الرابع إلى العرش وهو في الحادية عشرة من عمره.