هذا واتهم محمد عبّو قناة الحوار التونسي بمحاولة استبلاه التونسيين وتزييف الوعي معتبرا أنها "كانت من بين التلفزات والإذاعات التي لعبت دورا سيئا في مغالطة التونسيين وتزييف وعيهم وتوجيههم المخطط له نحو اختيارات انتخابية يعاني منها التونسيون اليوم، وكان ذلك وفق مخطط يهدف إلى تمييع القضايا الجدية واستغلال كل مصاب لخدمة أجندات حزبية، من ذلك موضوع الإرهاب الذي تسبب في استشهاد المئات وفي آلام العائلات وخرب الاقتصاد".
وفي ما يلي نص التدوينة: حول مقاطعة قناة الحوار التونسي
قبل إبداء الرأي في موضوع حملة مقاطعة قناة الحوار التونسي أعرض عليكم المعطيات التالية:
- قناة الحوار التونسي هي اسم تجاري وإجازة استغلال وذبذبات وهي لا تملك عناصر مادية تذكر بل إن ما يعرض فيها كان سابقا من إنتاج شركة كاكتوس التي صادرت فيها الدولة إثر الثورة نصيب بلحسن الطرابلسي الذي يبلغ 51 بالمائة، وشركة كاكتوس هي التي تملك الاستوديوات والمعدات المتطورة والوسائل التي تقدر جميعا بملايين الدينارات، بالإضافة إلى أنها هي من تشغل أكثر من 200 شخص.
في إطار ضرب مصالح الدولة التي تهمل الدفاع عن حقوقها أنشئت شركات إنتاج أخرى لإعداد برامج وعرضها في الحوار التونسي، وهي شركات صغيرة لا إمكانيات لها تستغل استوديوات كاكتوس، لنَقُل- مبدئيا وفي انتظار أن يقول القضاء كلمته- بمقابل يجب التأكد من كونه مناسبا أم لا وتستغل الموارد البشرية لكاكتوس بصيغة تبعث على الريبة.
هذا الملف الذي يخص المال العام لا يلاقي اهتماما اليوم.
- قناة الحوار التونسي أصبحت كغيرها من القنوات التلفزية تقاطع جل الجادين في التصدي لقانون "المصالحة" بسبب موقفهم وهذا أمر ثابت لا تخمين ولا مجرد استنتاج. وهذا أمر خطير على الديمقراطية ويؤكد سيطرة مراكز النفوذ المالي على الإعلام، مراكز النفوذ هذه إن تواصلت ستضمن للفساد التربع على عرش البلاد وحكمها، وهذا مخالف للمرسوم 116 ولكراس شروط الهايكا الذين ينصان على فرض التعددية في وسائل الإعلام السمعي البصري، وكان من المفروض أن تنشر الهايكا تقريرها حول تغطية موضوع قانون المصالحة الذي شرعت فيه وأن تنبّه وتطبق العقوبات ولكنها لم تفعل، وهو مؤشر آخر على بداية انهيار مؤسسات النظام الديمقراطي سنعود إليه قريبا.
- قناة الحوار التونسي كانت من بين التلفزات والإذاعات التي لعبت دورا سيئا في مغالطة التونسيين وتزييف وعيهم وتوجيههم المخطط له نحو اختيارات انتخابية يعاني منها التونسيون اليوم، وكان ذلك وفق مخطط يهدف إلى تمييع القضايا الجدية واستغلال كل مصاب لخدمة أجندات حزبية، من ذلك موضوع الإرهاب الذي تسبب في استشهاد المئات وفي آلام العائلات وخرب الاقتصاد، إذ جعلته قصدا كغيرها من القنوات موضوع تجاذبات سياسية كانت محددة إلى درجة كبرى في اختيارات الناخبين ليصدموا بعد الانتخابات بأن أمره لم يحسم بل تفاقم، في حين كان عليها فتح نقاشات جادة لتحليل الظاهرة بموضوعية وللبحث عن الحلول وتوجيه الرسائل لشبابنا لعدم سقوطه في هذا الانحراف، ويكفي أن أقول لكم أنّ قانوننا يمكّن منذ سنة 2003 من انضم إلى منظمة إرهابية أن يعفى من العقاب لو سلم نفسه دون أن يكون قد تورط في دم، وقدم معلومات تمكن من الحيلولة دون ارتكاب جرائم، ولو وجهت هذه الرسالة عبر وسائل الإعلام لأثرت في كثير من الشباب الذي التحق بالجبال وصدم بحقيقة من انضم إليهم وندم وفكر في الفرار منهم دون أن يكون عالما بما يوفره له هذا القانون، لو فعلوا لكان من شأن هذا أن ينقذ أرواحا بشرية، لو فقط استبدلت وسائل إعلامنا المشاكسات وتغذية المزايدات بخطاب يهدف إلى حل مشكلة يقول الجميع أن لا حياد فيها.
- قناة الحوار التونسي من حقها أن تقدم المادة التي تراها ولكلّ موضوعٍ جمهوره، ولكن من ضوابط حريتها ما حدده كراس شروط استغلال التلفزات الخاصة في فصله 24 الذي ينص على "عدم استغلال مأساة الاشخاص أو المتاجرة بها"، في حين أن بعض برامجها تقوم على هذا الاستغلال دون أن تقوم الهايكا بواجبها، ما يؤشر على عجز مؤسسات الدولة مجددا.
إن فكرة مقاطعة وسيلة إعلام ما في هذا الجو المتعفن الذي تغيب فيه هيئة الاتصال السمعي البصري عن كل تعديل وتغيب فيه أجهزة الدولة عن كل محاسبة، تصبح فكرة مشروعة إلى أبعد حد، بل تصبح واجبة إذا أردنا أن نبني معا ديمقراطيتنا التي تضمن حقوقنا وحرياتنا جميعا وحقوق الأجيال المقبلة بقطع النظر عن الأجندات الحزبية لأي طرف وبقطع النظر عن كل خلافات بيننا أو منافسة، لا خصم لنا إلا من كان ضد الديمقراطية والتعددية أو مع الفساد. ولقد سبقنا المصريون إلى مقاطعة منتجات المعلنين في قناة ما لكون مذيعة أساءت لضحية اعتداء وأتت الحملة أكلها.
أما أن تكون الحملة على أي قناة قائمة على رفض فكرة لا نتفق معها كادعاء إحدى الضيفات أن تدريس بعض آيات القرآن يعلّم الإرهاب أو لكون القناة تحرض على الميوعة ونحن في قرية كونية بمجرد ضغط على زرّ يمكن أن نختار أي قناة من آلاف القنوات التي تبث عبر الأقمار الصناعية، فهذا لا يمكن السير فيه خاصة لما ترفع شعارات من قبيل المقاطعة واجب ديني في حين أننا لم نسمع يوما من يقول أن مقاومة الفقر والتقليص من البطالة وإيقاف نزيف الفساد واجب ديني.
أستاذة جامعية تقوم بتصريح حول تدريس القرآن أو بالأحرى حول تدريس بعض آياته في خطاب أقل استفزازا مقارنة بما قاله المعري منذ ألف سنة في دولة قائمة على الدين، فيفتح ذلك الباب لحملة لا مثيل لها كان من سلبياتها ما يلي:
- صرف النظر عن ملف وثائق بنما وعن مشروع قانون الفساد المسمى مغالطة بقانون المصالحة،
- ظهور صنف من التونسيين وكأنهم لا يؤمنون بالتسامح ولا بالدولة المدنية ولا بما تم الاتفاق عليه في الدستور، وهذا سيستعمل حجة ضد قابلية شعبنا للديمقراطية، مع التذكير بكونه سابقا قد ظهر صنف آخر من التونسيين كانوا مستعدين لإشعال البلاد رفضا لنتائج الصناديق، وهو ما قد يجعل الحكم بعدم القابلية للديمقراطية يبدو شاملا لكل الشعب التونسي.
- انطلاق حملة ضد الحوار التونسي لسبب معلن هو أنها معادية للدين وفي إطار خلاف هووي، وهذا قد يفتح الباب لصنف آخر من التونسيين لمقاطعة أي تلفزة قد تبث برامجا لا تروق لهم كمسلسل عن التاريخ الإسلامي مثلا يعتبرونه مزورا للتاريخ أو مقتصرا على جانب الفتوحات، ولن نخرج أبدا من هذه الصراعات.
- فيما يخص النيل من الدين: ظهر بعضنا وكأنه لا يعرف طريقة للتعامل في هذه المسألة الحساسة غير الإقصاء، في حين أن ديننا قائم منذ أربعة عشر قرنا وسيظل قائما إلى قيام الساعة، وعبر تاريخه وجد من هو مستعد لإلغاء من يعتبره مخالفا لدينه أو لقراءة لدينه، كما وجد من يرد على من يتهجم على الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة وبالحجج. وعندما نستمع إلى من يقول أنّ تدريس بعض آيات القرآن الكريم يحث على الإرهاب، فإنّها فرصة لمدّه بعلومات حول عدد الإرهابيين في تونس والسعودية ليكتشف أنّ بلادنا التي حوصر فيها التدين منذ الثمانينات هي أكبر مصدّر للإرهابيين في العالم، يكفي ذلك لجعل الجامعية المعنية تراجع أفكارها وتنكب على البحث في الظاهرة وأسبابها بدل التعبير عن أفكار متشنجة لا دليل عليها. أليس هذا أكثر الطرق نجاعة للدفاع عن معتقداتنا وأكثرها حفاظا على السلم في المجتمع وضمان لعدم العودة إلى متاهات الاتهامات بتقسيم المجتمع؟
أمامنا اليوم فرصة في غياب دور مؤسسات الدولة المتعطلة أو الواقعة تحت سيطرة مراكز النفوذ، لنقول لمن تجاوز قوانين البلاد وواجبات الموضوعية والنزاهة والشفافية من وسائل الإعلام، أن شبابا غير متحزب أو متحزب، وفي الحالتين غيور على مشروع ديمقراطيته ولا تحركه غير هذه الغاية قادر بوحدته وبإصراره وبوضوح رؤيته أن يفرض القانون على أي جهة كانت. لو نجح الشباب في ذلك فهي رسالة قوية وبالغة الأهمية إلى كل وسائل الإعلام الخاصة وإلى مموليها، وسيفهمها جميع مراكز النفوذ في البلاد في الإعلام وغيره وسيلزمون حدهم كرها.
لماذا الحوار التونسي؟ هي ليست بالضرورة الأكثر تجاوزا للقوانين ولا الأكثر مغالطة للرأي العام ولكن هي من اختار جزء متحمس من شباب الفايسبوك أن يقاطعها، ولنقل أن يبدؤوا بها، وهي القناة التي تعمل بإمكانيات مؤسسة تملك الدولة أكثر من نصف رأسمالها، ولا يمكن أن يُرفض لشباب تونس المتحمس طلبا شرعيا ولكن بعد توضيح
الغايات، الذي أتوقّع إن تم، أن يجعل كثيرا من التونسيين ينظمون إليهم لتتحول الحملة
إلى حركة لا مثيل لها في العالم.
.
المقترح هو أن يواصل الشباب حملة المقاطعة وأن يربطوا إيقافها بتحقيق المطالب التالية.
- تفسير سبب عدم عمل القناة بالتعددية المفروضة عليها قانونا منذ انطلاق حملة التصدي لقانون المصالحة وانحيازها لشق على حساب آخر في بعض القضايا الكبرى، والقطع مع هذه الممارسة وفتح الباب لمختلف القوى السياسية والفكرية للتعبير عن نفسها.
- التوقف عن الإضرار بمؤسسة كاكتوس باعتبارها ملكا للدولة في جزء منها،
- التوقف عن بث برامج استغلال مآسي الناس في مخالفة للقانون،
- التحلي بالحرفية والموضوعية في معالجة القضايا السياسية في كنف الحرية.
لو تم الاتفاق على هذه المطالب، فستكون المقاطعة واضحة للجميع وأكثر قابلية لجلب المواطنين بمختلف انتماءاتهم أو عدم انتمائهم وهي ستعطي صورة جيدة عن التونسيين وسيكون لها تأثير إيجابي في مشروع الديمقراطية في بلادنا، وطبعا ستكون قيادة الحملة للشباب غير المتحزب ويكون كثير من السياسيين وراءهم لدعمهم دون أي مواقف تظهر منها أي أجندات حزبية. وهذا طبعا بعد أن تكون الغايات واضحة والمطالب واضحة وبعد أن يكون من الواضح أن الحملة تنتهي بتحقيق المطالب لتنتقل إلى أي قناة
أخرى خالفت القواعد المذكورة أعلاه بقطع النظر عمن يقف وراءها ولغاية دفعها إلى الإصلاح لا لتحطيمها نهائيا. هكذا نكون مواطنين تفخر بنا بلادنا ونفخر بها، غير ذلك هي الصراعات التي لا تنتهي والتي توحي بوضع متأزم يصعب فهمه والخروج منه.
محمد عبو