هذه التسريبات , التي تعتبر الأكبر في تاريخ الصحافة العالمية , لم يمر يومان على اِنتشارها إلا و أطاحت بأول " ضحاياها " , أو بعبارة أصح برأس من رؤوس الفساد , فقد اِستقال رئيس الوزراء الأيسلندي دون مماطلة أو محاولة لجعل الذنب ذنبيْن مثل ما يفعل البعض ممن تورطوا مثله , فلم ينكر و لم يشكك أمام قوة الأدلة و مطرقة البرهان .
يبدو أن وثائق بنما " باقية و تتمدد " شرقا و غربا , شمالا و جنوبا , و يبدو أن الأسماء تتوالى و تتالى , لا تستثني أحدا سياسيا كان أو رياضيا أو نجما سينمائيا , لكن تعاطي الناس مع هذه الأسماء يختلف تبعا للعلاقة البينية و لمدى التأثير و التأثر نفعا أو ضررا .
الرغبة في معرفة أسماء المتورطين , على اِختلاف أوساطهم و مجالاتهم , هي رغبة جماعية مشتركة لدى كل الناس , فهؤلاء من المشاهير و من الشخصيات العامة , لكن , إن كان المتورط سياسيا , سيضاف إلى تلك الرغبة الحرص على التتبع و المحاسبة و المحاكمة و المساءلة , باِعتبار علاقة السياسي بمصائر الناس و أموالهم و أرزاقهم فهو " المُسْتَأْمَنُ " , إن اِستوثقوه .
محاكمة رجل السياسة قد لا تكون قضائية فقط , و إنما تكون أيضا أخلاقية , تعرض المتهم على محكمة الصدق و الأمانة , التي تنظر في أمره و تصدر حكمها بعد الاِطلاع الكامل على أحوال الناس اللذين سحقتهم ماكينات الفساد , فتعطي بذلك المثل أن العدالة و الحساب و العقاب الأخلاقي أكبر و أشد , يصل حد الإعدام السياسي .