سياسة

صراع بين وزيريْنِ

زووم تونيزيا | السبت، 2 أفريل، 2016 على الساعة 15:46 | عدد الزيارات : 6300
لا أحد ينكر أن التنافس أمر محمود مادام شريفا يراعي القيم و المبادئ وفق منطق التكافئ في الفرص و الإمكانيات و الأدوات المتاحة , و لكن هذا التنافس قد يتحول إلى صراع مباشر من خلال معرفة المنافس و مواجهته و السعي إلى التفوق عليه , كما يمكن أن يكون هذا التنافس بطريقة غير مباشرة و حتى دون علم المتنافسيْن .

 

في قراءة لعمل بعض الوزراء في علاقة ببعض القضايا الحساسة و المهمة , يلفت إنتباهنا وزيران , هما وزير التربية الأستاذ ناجي جلول و وزير الشؤون الدينية الدكتور محمد خليل , اللذان يخوضان صراعا بالوكالة أو صراعا لم يعلما به و لم يتهيّآ له , بل هما على الأرجح أداتين لهذا الصراع و ليسا رأساه.

 

لعل أبرز الوزراء " إعلاميا " و ألفتهم للنظر هو وزير التربية لما يحدثه بين الفينة و الأخرى من لغط حول قرارات كثيرا ما توصف ب " الإرتجالية " و " غير المدروسة " , من قبيل قرار النجاح الآلي و إرتقاء كل تلاميذ المرحلة الإبتدائية المسجلين بالمؤسسات التربوية العمومية وذلك خلال السنة الدراسيّة 2015/2014 , و قراره إلغاء الأسبوع المغلق و قرار إلغاء نسبة 20 بالمائة من معدلات الباكالوريا فضلا عن إلغاء مناظرة الكاباس التي تعتبر القشة المنقذة للكثيرين من جحيم البطالة , و أخيرا و ليس آخرا , قرار تدريس السيرة الذاتية للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة , كل هذه القرارات المثيرة للجدل و المتسرعة و المؤثرة لم تزد الوزير إلا شعبية و إمعانا في الإرتجال و الكِبْرِ , و ما يفسر هذه الشعبية و هذا الإصرار على مواصلة " التنطع " هو التعاطي الإعلامي المشجع للوزير و إبداعاته التي , و إن أحسنا الظن في بعضها , فإن أقل ما يمكن أن يقال فيها , أنها متسرعة لا تُسْقَطُ بهذه الطريقة و هذا الأسلوب على قطاع حساس كقطاع التعليم الذي يَفْتَرِضُ التدرج و حسن الدراسة .

 

لكن الإعلام , شئنا أم أبينا , ذو قوة و سطوة على عقول الناس و وعيهم , فيُحسّن القبيح و يُقبّح الحسن و يُعْلي و يذكر هذا و يقزم و يقصي الآخر .

 

أما وزير الشؤون الدينية محمد خليل , فيبدو أنه غير مرضي عنه في الإعلام التونسي , فلا يأتي ذكره إلا عرضا أو تسفيها لما يقوم به و ما يطرحه خاصة في ما يتعلق بالإرهاب , حيث أكد الوزير أن الإرهاب بعيد كل البعد عن الإسلام الصحيح و أن من أسبابه عدم فهم القرآن الكريم الفهم الصحيح بسبب البعد عنه و هجره , و دعا إلى تحفيظه معتبرا أنه " اللقاح اللازم الذي يحتاجه شبابنا " , و قد هوجم الوزير حين لم يكذب و قال الحقيقة , ربما كان على الوزير مراعاة مشاعر بعض المثقفين و الإعلاميين اللذين لا يعتقدون في مقولة " الوقاية خير من العلاج " و لا يرون أن في صيانة العقول و تنقية القلوب وقاية و تحصنا من التطرف و التشدد .

لم يكتف الوزير بالحلول النظرية , وإن كانت تمس أصل الداء و تتناول القضية من زاوية المعالجة الدائمة و العميقة بدل المعالجة الوقتية و الجزئية , بل أطلق حملة يبعث شعارها الأمل و الحماس و الإيجابية التي يبدو أن " إعلامنا " لا يستسيغها : " غدا أفضل " , تهدف الحملة إلى توعية الشباب و تثقيفهم من خلال نشر القيم الإسلامية الصحيحة و الفكر الزيتوني المستنير عن طريق إنتاج برامج دينية تلفزية و إذاعية تُغْني التونسيين عن الأخذ عن مصادر أخرى قد تنشر التشدد و التطرف , فمكافحة الإرهاب , حسب الوزير , ليست مجرد كلام و إنما يقتضي الأمر تأسيس ثقافة لمقاومته بدل الحلول العاطفية و الإنفعالية .

 

من المرجح أن هناك مقاييس و معايير يعتمدها البعض من المثقفين و الكثير من الإعلاميين في الرضا و السخط على الأشخاص و المواقف , بغض النظر عن الصدق و الكذب أو النفع و الضرر , و الحقيقة أنه لا صراع بين الوزيرين , و إنما الصراع " متخيل " يستدعيه العقل ليحتج على اِنتهاك وعيه .