سياسة

النقاب يتحول إلى موطن شغل

زووم تونيزيا | الخميس، 31 مارس، 2016 على الساعة 11:12 | عدد الزيارات : 5762
يبدو أن النقاب في تونس ليس فقط لباسا يغطي الرأس , فقد اِتضح أن له وظائف أخرى ذات مداخيل و أرباح معقولة جدا إن حسن اِستثماره , و هذا ما يفسر العودة إليه و طرحه كبضاعة كلما اِقتضت الحاجة .

 

مرة أخرى تطفو مسألة النقاب على الساحة السياسية في تونس ( و ليس الساحة الأمنية التي تمثل الجهة الأحق و الأولى بطرح القضية و اِستدعائها في صورةِ تؤكدها أنها تمثل خطرا و تهديدا ) , يجب إذن , و قبل الاِنسياق في مضمون هذا الطرح " السياسي " المكسو بلباس الوضع الأمني الحساس , أن نلقي نظرة على مصدر هذا الطرح و دواعي اِستدعائه لهذه القضية التي سبق أن ملأت الدنيا و شغلت الناس و أخذت حظها و زيادة من الاِهتمام حتى أُلقيت جانبا لوجود قضايا أهم و أوْلى بالنقاش و التركيز و أحق في لفت الأنظار إليها .

 

الجهة التي تقدمت بمشروع القانون الداعي إلى منع النقاب هي " كتلة الحرة " المتكونة من النواب المستقيلين من حزب نداء تونس و التي أعلنت عن تأسيس حزب جديد تحت مسمى " مشروع تونس " , إذن هناك لاعب سياسي جديد على الساحة يطمح للبروز و الظهور من خلال برنامج خاص , و هذا هو دأب الأحزاب السياسية التي تحاول أن تقنع المواطن و الناخب " بقوة برامجها " و " جدوى و فاعلية " الحلول التي تطرحها للتصدي للمشاكل الكبرى للبلاد و العباد.

 

المسألة هنا لا تتعلق بمشكلة النقاب في حد ذاتها, و إنما تتعلق بتوسلها أداة للظهور و اِستثمارها لإنتهاك وعي المتلقي و إرباكه , و اِبتزازه من خلال حصر و ربط أمنه بالتعدي على اِختيارات غيره بطريقة غير مباشرة . هذه الأساليب التي تنتهجها بعض الأحزاب السياسية في تونس لا يمكن أن تؤسس أو تبني أو تصلح , فهي لا تتعدى أن تكون مجرد تسجيل نقاط على حساب خصوم سياسيين و محاولة لإثبات الوجود بأي وسيلة , المهم أن تَشْغَلَ الناس و ليس مهما أن تُشَغِّلَهم . هذا التوجه إلى " الانفعالي " في الإنسان و مخاطبة عقله العاطفي لا عقله التحليلي , لا يدل إلا على رغبة و نزوع نحو " الاِستبلاه و التدغيف " الممنهج للمواطن الذي اِختلطت عليه السبل الأمر الذي أغرى به تجار السياسة.

 

ما يؤكد هذا الكلام أن الجهة التي اِقترحت المشروع لم تستند في مقترحها على تقرير أمني أو جهاز عسكري , أي على الجهات التي تتعامل مع التهديدات على أرض الواقع وهي الأكثر قدرة على تشخيص مصدر التهديدات و طبيعتها .

ربما تكفي نظرة تقييمية إلى وضع البلاد الإقتصادي و نسبة النمو التي لم تتجاوز 0,8 و حجم الفساد الذي ينخر جميع القطاعات و نسبة البطالة المستفحلة و غلاء المعيشة و غيرها مما يمس التونسي و يشكل فعلا ظاهرة يجب معالجتها و تقديم مقترحات المشاريع من أجلها , و نظرة إلى ما يُطْرَحُ للنقاش و ما يُقْتَرَحُ من مشاريع القوانين.. يكفي ذلك لفهم غايات بعض اللاعبين السياسيين و حقيقة مشاغلهم .

 

الأوْلَى إذن أن نلفت النظر إلى القضايا و المشكلات الحقيقية لا أن نلفت النظر عنها , و أن نعمل على أن نُشَغِّلَ الناس لا على أن نَشْغَلَهم .