سياسة

سامي براهم : على هامش تتالي الاستقالات من السباق الرئاسي …

زووم تونيزيا | الثلاثاء، 18 نوفمبر، 2014 على الساعة 12:25 | عدد الزيارات : 1930
تبنّت النّهضة أثناء الانتخابات التشريعيّة خطابا توافقيا رفضت فيه كلّ أشكال التمايز و الفرز و التقسيم و الاستقطاب على أيّ أساس كان و صرّح زعيمها أنّ من دخل تحت سقف الدّستور فهو ابن الثّورة، بل ذهب إلى حدّ الإعلان عن إمكانيّة تشكيل حكومة تضمّ وزراء من العهد السّابق …
و لكنّ كلّ ذلك لم يشفع له و لحزبه و وُوجِه بالقصف الإعلامي الذي وفّر مناخات التصويت المجدي الذي كرّس الاستقطاب الثنائي الحادّ القائم على التضادّ و التنافي بين مشروع يحتكر لنفسه الحداثة و التونسة مقابل مشروع ظلامي رجعي إخواني و كانت حملات التّشويه و الشيطنة تشتغل في نفس الوقت الذي كان فيه مرشحو النهضة يتغنّون بالتوافق و التّسامح و الوحدة الوطنيّة. لذلك يبدو أنّ الدّكتور المرزوقي قد فهم الدّرس جيّدا و اتّبع مقالة النّواسي : فداوني بالتي كانت هي الدّاء و لم يجد غضاضة في تسويق نفسه أمينا على الثّورة المهدّدة بعودة المنظومة القديمة ممثلة في الحزب الفائز في التشريعية و في مرشحه الرئاسي، و في نفس الوقت الشخصيّة العقلانيّة البراجماتيّة التي تجمّع التونسيين و تتفاعل بواقعيّة مع نتائج الصندوق ، لم يجتنب المرزوقي الاستقطاب على أساس الثورة و الثّورة المضادّة بل اشتغل عليه لا فقط من منطلق انتخابي دعائي بل كذلك تناسقا مع أفكاره و انسجاما مع الشعور العامّ بالخوف على مكاسب الثّورة خاصّة بعد التصريحات الخطرة و المستفزّة لبعض قيادات الحزب الفائز لذلك عوض الاستقطاب من طرف واحد الذي شهدته الانتخابات التشريعيّة ساهمت حملة المرزوقي في استقطاب من الطرفين : استقطاب أوّل واضح و صريح و معلن و هو الذي عبّر عنه المرزوقي و هو يجوب المدن التونسيّة محذرا من الثّورة المضادّة و عودة منظومة الاستبداد و الفساد ، و استقطاب ثاني من طرف خصومه مازال يبحث عن العنوان الأكثر تأثيرا و جدوى انتخابيّة ، و يبدو أنّ عناوينه إلى حدّ الآن مضطربة مشتّتة و لم تجد المضامين الرمزيّة القويّة التي تحقّق الوصم و العزل و حشر الخصم في الزاوية، خاصّة و أنّ حياد النّهضة حرّر المرزوقي من العنوان القديم الذي أقيم عليه الاستقطاب الثنائي في التشريعيات، كما أنّ تضخيم حضور بعض العناصر المحسوبة على رابطات حماية الثورة أو المنتسبة للتيّار السلفي أو بعض زلات اللسان لم يمكّن من قلب صورة الرئيس العلماني المنادي بالفصل بين الدّين و السياسة و المتبني لمنظومة حقوق الإنسان و المنفتح على كلّ التونسيين. نجاح عناوين الاستقطاب الأوّل و ارتباك عناوين الاستقطاب الثّاني يستدعي العودة للتصويت المجدي على الأقلّ من داخل المنظومة القديمة بتنازلهم لفائدة مرشّح واحد إمّا بالانسحاب من السباق أو بتوحيد التصويت لصالحه و تشتيته لصالح منافسهم الأبرز … في هذا السياق سينسحب هذا المرشّح أو ذاك طوعا أو كرها ليفسح الطّريق للمرشّح الأبرز ، و في المقابل سيُدعم إعلاميّا كلّ من يشتّت أصوات المنافس الأبرز ، و هذا واقع منذ الأسبوع الثاني للحملة الانتخابيّة ينسحب أحد المرشّحين المحسوبين على المنظومة القديمة و يحمّل مسؤوليّة انسحابه للخطر الذي أصبح يمثّله المنافس الأبرز لمن انسحب من أجله ، تحذيرات و تهديدات تواترت على ألسنة مرشّحين و سياسيين يبدو أنّها تمهّد لعمليّة إرهابيّة يُحَمَّل ُ مسؤوليّتها المنافس الأبرز للمنظومة القديمة لتدمير كلّ حظوظه للفوز بالضربة الإرهابيّة القاضية خاصّة مع محدوديّة أشكال التّأثير و التزوير التي وقع اعتمادها في التشريعيّة ، إنّ ما يراهن عليه الدّكتور المرزوقي هو الانتصار أو الانتصار ، و قد فسّر ذلك في أحد خطاباته أنّ المقصود به الفوز الانتخابي أو تشكيل قوّة اجتماعيّة مناهضة لعودة منظومة الاستبداد في صورة فوز المرشّح المنافس . كلّ هذا الحراك يؤكّد أنّ تونس تعيش ما تعيشه دول الثورات العربيّة من مخاضات المسار الثوري المفتوح على كلّ الانتظارات و هو نفس المخاض الذي عرفته ثورات التاريخ الحديث و المعاصر .