واتهم رئيس الجمهورية، بعض الأطراف السياسية (لم يذكرها) بالوقوف وراء ارتفاع وتيرة الهجرة غير النظامية خلال الفترة الماضية قائلا ''هناك أيضا أسباب سياسية (تقف وراء الهجرة) حيث أن بعض الأطراف تشجع على ذلك من أجل القول أو الإيحاء بأن العملية الانتخابية خاصة الرئاسية لم تؤدي إلى تحقيق اهداف الشعب التونسي''.
وقد تساءل مهدي مبروك، عبر تدوينة فايسبوكية "الهجرة السرية مؤامرة تحاك ضد السيد الرئيس؟".
وقال مبروك "ظاهرة "الحرقة "برزت تحديدا في بداية تسعينات القرن الفارط على اثر انضمام ايطاليا إلى فضاء شنغن و فرضها التأشيرة على المواطنين التونسيين . كما شهدت بلادنا بعيد الثورة موجة غير مسبوقة من الهجرة غير النظامية حيث بلغ عدد التونسيين الذين نزلوا جزيرة لمبادوزا وحدها ما يفوق 22 ألف شخصا .
و لقد زار المرحوم الباجي قائد السبسي (رئيس الحكومة آنذاك ايطاليا ) و لم يشر مطلقا إلى أنها مؤامرة تحاك ضد الثورة كما لم يذهب المختصون أو مناضلو المجتمع المدني هذا المذهب مطلقا."
وواصل مهدي مبروك القول " السيد الرئيس.. الهجرة غير النظامية لها أسباب موضوعية وهي إذ تتواصل فلأن سياقاتها ظلت ثابتة تقريبا ... تحدث هذه الموجة الثانية تحديدا لأن الضغط الهجري Pression migratoire لا زال مرتفعا في سياق يزداد فيه الطلب على الهجرة "غير الشرعية" خصوصا وأن الأسباب الموضوعية تلك مستمرة وهي في اعتقادي : - تنامي أعددا العاطلين عن العمل و يرجح البعض أن يكون الرقم قد بلغ 800 ألف عاطل و ينتظر أن يرتفع أكثر نتيجة الآثار الاقتصادية و الاجتماعية السيئة لجائجة كوفيد ، هذا المناخ "الملائم" استثمره منظمون محترفون حولوا هذه المغامرة القاتلة الى تجارة بالبشر تدر عليهم أربحا طائلة . - توقف نسب النمو و انحدارها إلى ما تحت الصفر و قد تدرك نسبة ست بالمائة سلبي ، - تواصل شروخ التفاوت بين الجهات ، - فقدان المدرسة بريقها في ظل تعطلها كمصعد اجتماعي ينتشل الشباب من مناطق الهشاشة و التهميش ، و أخيرا الإحباط الذي يفترس هؤلاء الشباب وهم يرون حكام بلادهم قد حولوا الفضاء السياسي الى حلبة لصراع ديكة هائجة.( مشهد جميل يبدع في وصفه عالم الانتروبولوجيا الامريكي قييرتز في كتابBali interprétation d`une culture".
سيدي الرئيس.. يمكن إن نسترسل في ذكر الأسباب الموضوعية الأخرى التي تتعلق بحاجات الاقتصاد الأوروبي و الايطالي تحديدا لى يد عاملة غير مختصة و زهيدة يحتاجها سوق العمل في قطاع الفلاحة و بعض الخدمات الأخرى التي أبرزتها جائحة كوفيد على غرار الخدمات الصحية و الاجتماعية ( رعاية كبار السن و الخدمات المنزلية,, .). سيدي الرئيس منذ أكثر من ثلاث عقود تجتاز حدودنا سنويا أكثر من 80 جنسية يحملها شباب قادم من مختلف أنحاء العالم هاربين من الفقر و الخصاصة و الحرمان ، يلاحقون أملا يبدو انه قد تحول الى سراب و كوابيس جعلت المتوسط مقبرة مائية عائمة . في كل ذلك لا أحد تحدث عن مؤامرة ....
طوال هذه الفترة أصدرت الجماعة العلمية في تونس و منظمات المجتمع المدني مئات الدراسات و التقارير التي تحلل الظاهرة و تقترح حلولا قد تخفف من حدة الظاهرة و تحاصر مخاطرها القاتلة ..
يؤسفني سيدي الرئيس أن تذهبوا في تحليل هذه الظاهرة ذلك المذهب .. وقد ذكرني ذلك بما يقوله البعض "العلوم الاجتماعية آش نعملوا بيها؟ " و يبدو ضمنيا أنكم بهذا التصريح تزكون هذا الرأي علاوة على إشارات عديدة صدرت منكم تبخس العلوم الاجتماعية ... يمكن أن تكونوا لوامع في تأويل الدستور وهذا اختصاصكم العلمي ( و ليس السياسي) و لكن تواضع العلماء و الرؤساء يحتم عليكم أن تطلعوا على ما يقوله المختصون في مباحث أخرى لا تمتلكونها و لكن تحتاجونها " لتوجيه" السياسات العمومية و اتخاذ قرارات مهمة لها أثر عميق على الناس و المحيط...
السيد الرئيس اقتصار زيارتكم على الجهات الأمنية وحدها تقريبا يعطي انطباعا لدى الناس أنكم في " معالجتكم للظاهرة" تتبنون مقاربة أمنية أثبت أينما تم تبينيها فشلها الذريع فما بالك وقد تم ادراجها في نظرية المؤامرة التي "تشتغل جيدا "هذه الأيام حتى أصبحت ركنا قارا من أركان الخطاب السياسي ببلادنا ... ثمة مبادرات أخرى أكثر عمقا و إنسانية و جدوى ...
مرة أخرى أعيد القول إن الهجرة غير النظامية لها أسبابها و دوافعها الموضوعية الخالصة و هي ليست مؤامرة تحاك ضدكم .