كما طرحت هذه العملية الإرهابيّة التي تعيش على وقعها تونس اليوم تساؤلات عديدة لعلّ أهمها إمكانيّة تنفيذ هجمات أخرى في الأيّام القادمة رغم الحملات القوية التي تشنها الوحدات الأمنيّة والعسكرية ضدّ العناصر الإرهابية.
وفي هذا الخصوص، اِتصل موقع "زووم تونيزيا" بالخبير الأمني ودكتور علم النفس يسري الدالي، وكان لنا معه حديث كالتالي :
*بدايةً، كيف تُفسر عملية الطعن بباردو؟ وهل هو أسلوب جديد للعناصر الإرهابية ؟
هذه العملية هي عمل إرهابي فردي وراءه تفكير وتكفير، ولكن لا أعقتد أنّه أمر أُعطيَ في هذا الاِتجاه ومن المستحيل أن تكون هذه أساليب جديدة سيعتمدها كافة العناصر التي تحمل هذا الفكر أو عمل يدخل في منهجية جديدة لإرهاب مُسلّح في مواجهة مباشرة.
أعتقد أنّ مُنفّذ هذا العمل لم يكن في مداركه العقلية، وهذه الفرضية ستُؤكّدها التحاليل أو تنفيها، مبدئياً وحسب رؤيتي وتقييمي للوضعيه ككل فإنّه لا يوجد شخص في مداركه العقلية، تكفيري أو غيره، يقوم بهذه العملية بتلك البرودة والاِستهداف والوقت وفي وضح النهار دون أن يقرأ عواقب فعلته خاصة وأنّ القبض عليه كان مُؤكّد.
المُنفّذ كان يُمكنه القيام بعمله الإرهابي أمام منزل هدفه أو في مكان أخرى، غير أنّ قيامه للعملية في ذلك المكان والتوقيت والطريقة يُؤكّد أنّ الإرهابي لم يحسب عاقبة فعله ليُخطّط للنجاة، أنا أقدر شخصياً أنّ الإرهابي لم يأخذ عوامل الخطر بعين الإعتبار وذلك تجلّى لنا من خلال نظراته وسلوكه وردود فعله بعد قيامه بجريمته الإرهابية .
*عملية الطعن بباردو هل تندرج ضمن عمليات إرهابية محترفة؟
مُنفّذ هذه العملية هو شخص هاوٍ والعمل ككل ليس حرفي، فإذا كانت لدى شخص الإرادة وفاقد للإنسانية ويحمّل في جيناته الإجرام فإنّه من السهل عليه القتل وخاصة إذا كان بـ"الغدرة".
*إختيار الإرهابي للرائد الشهيد رياض بروطة ولمكان الجريمة "أمام مجلس نوّاب الشعب"، كيف يُمكن أن نُفسره؟
مُنفّذ العملية الإرهابية درس عمليته جيداً من هذه الناحية حيث أراد إثارة ضجة بفعلته وأختار هذا المكان كي يتحدث عنها الجميع، فلو قام الإرهابي بجريمة في حي التضامن مثلاً لما أخذت نفس المدى الذي أخذته أمام البرلمان خاصةً على المستوى الإعلامي الدولي.
من ناحية أخرى، الإرهابي إختار رائد وإختياره لأعلى رتبة وفق تفكيره يعني إختياره للأكثر "طاغوت"، إضافة لعامل السن فالرائد الشهيد رياض بروطة (52 سنة) تكون ردّاته أقل حدّة و كان لا يُمكنه ردّ الفعل مثل رائد أصغر منه سناً وبالتالي الرائد تمّ إختياره ليكون الهدف لسنه ورتبته.
*الإرهابي من أصحاب الشهائد العليا، حسب تقديرك ماهي أهم العوامل التي تقف وراء اِنحراف هذه الفئة للإرهاب؟
العوامل مُتعدّدة، منها الجانب الإقتصادي والسياسي والديني والثقافي والتاريخي وأيضاً الإجتماعي، فالإرهابي المعني مُتخرّج منذ 3 سنوات ولازال عاطل عن العمل وقد يكون ذلك مادفعه لتبنيه هذا الفكر التكفيري.
من أسباب انحراف هذه الفئة للإرهاب عدم توفير مشاريع لهم وعدم دعم أحلامهم و رؤيتهم لمنظومة فاسدة بصدد الصعود أكثر وتصفية حسابات بين رجال أعمال فاسدين وأيضاً حكومة يدها طالت الضعيف وتركت القوي وخاصةً الظلم الكبير لفئات معينة، فهذا كله جعل هذا الشباب فاقد للأمل ومن السهل اِستقطابه والتأثير عليه وتحويل وجهته وهذا ما نجح فيه الإرهاب.
*ماهو الحلّ في هذه الحالة إذا ؟
للآسف في تونس مازالنا لا نهتم بالتنمية البشرية والإقتصادية، أنا أعتبر الشهيد رياض بروطة ليس فقط ضحية الإرهاب لكنه ضحية المنظومة السياسية والإجتماعية والأمنية المهترئة التي يجب مُعالجتها.
لا يُمكن مُكافحة الإرهاب إلاّ بمنظومة إقتصادية وأمنيّة شاملة، وأيضاً الدولة التي لم تعمل على المرونة الذهنية والنفسية و على المشاريع التربوية والشبابية الثقافية لا يُمكنها مقاومة الإرهاب.
*مواقع التواصل الإجتماعي أصبحت من أهم الوسائل لاِستقطاب الشباب للإرهاب والتخطيط للهجمات الإرهابية، كيف يُمكن الحدّ من هذه الظاهرة ؟
آواخر 2013 وبداية 2014 أُلغيّت الرقابة كلياً وبالتالي تمّ اِستقطاب العديد من الشباب عبر الانترنت. للآسف عمليات التنصت والمراقبة الإلكترونية لم تُنظّم بعد وأنا أدعو البرلمان لتنظيم هذه العملية إذا كان يريد المُحافظة على هيبة الدولة وعدم المساس بمنظومة التنصّت. المراقبة الإلكترونية عن طريق وكالة الإنترنت التونسية بالتعاون مع مشغلي الهواتف و المصالح الفنية لوزارة الداخلية يجب أن تعود بصفة منظمة في إطار قانون يستجيب لضوابط العمل التكنولوجي وقد يكون ذلك حلّا للحدّ من ظاهرة اِستقطاب الشباب عبر مواقع التواصل.
*بعد هذه العملية، هل نتوقع عمليات إرهابية أخرى؟
أنا دائماً لا أستغرب أي شيء، وقد قلتها سابقاً الإرهاب لا ينجح في تونس ولكن سيبقى مُعششاً فيها ما دامت الظروف ملائمة، الأمر ليس متعلّق بتونس فقط فلم تتمكن أي دولة من القضاء كلياً على الخلايا الإرهابية لأنّ الإرهاب متعلّق بمصالح فئات كبيرة وله علاقة بالسياسة وبرجال الأعمال الفاسدين.
حسب رأيي الإرهاب هو فكر سياسي وهو جريمة سياسة بإمتياز ولا يمكنني قول خلاف ذلك وكل هذا يجعلني مُتأكّد من أنّه لايمكننا القضاء على الإرهاب و من أنّ المحاولات مازالت سواء الجادة أو الأقل جدية أو محاولات الهوّاة مثل حادثة الطعن بباردو.
*التهريب له دوره في تفاقم ظاهرة الإرهاب أليس كذلك ؟
عمليات التضييق على الإرهابيين والخلايا الإرهابية في تحسّن وتضييق الخناق عليهم أصبح بالفعل ملموس وذلك يظهر في صعوبة تحركهم كالسابق، حيث كانت هنالك في سنوات 2011 و2012 سهولة كبيرة في تمرير الأسلحة وتهريب كل ماهو مُتعلّق بالإرهاب. في رأيي المهرّب يحمي الإرهابي والعكس صحيح أيضاً و كنت من أول الذين ربطوا الإرهاب بشبكات التهريب إذ أنّ شبكات التهريب هي نفسها شبكات الإرهاب والإثنان يمولان بعضهما البعض وهذا إقليمي وقاري ودولي وليس مقتصر على تونس.
*ما مدّى تأثير عمليات التضييق التي تقوم بها وحداتنا على الخلايا النائمة وغيرها ؟
التحامل على البعض يدفع بأشخاص آخرون لا علاقة لهم بهذا الفكر التكفيري يدافعون عنهم ويصبحون مثلهم وحتى يتبنون فكرهم وهذا خطأ إستراتيجي في مقاومة الإرهاب نراه اليوم. التضييق وخاصة الذي يكون دون قانون على مجموعة معينة قد يتسبب في تزايد عددها نظراً لأنّك ضيّقت عليها فقط. من جهة أخرى، التضييق أيضاً على حاملي الفكر الديني أو الفكر الإسلامي هو إرهاب دولة وأنا شخصياً أُدينه.
*الإعلان عن السيطرة كلياً على جبال الكاف هل يضمن فعلاً عدم تواجدهم مُجدّداً هناك؟
في جبال ورغة والشمال الغربي بصفة عامّة الإرهابيين الجزائريين هم المسيطرين هناك وهم من يدرّبون التونسيين، فإرهابيو تونس يُعتبرون متربصون وعلى سبيل المثال الإرهابي كمال القضقاضي تعلّم منهم.
في تونس لم يكن لدينا أبداً إرهاب محترف حتى عملية سليمان الإرهابية لا تُعدّ عملية محترفة رغم أنّها أرهقت الأمنيين، في الجزائر هنالك بعض الإرهابيين المحترفين الذين كوّنوا شبكات إرهابية قوّية ومن أوائل التسعينات في الجبال تكوّنت لديهم خبرة كبيرة ويُحاولون التمديد هذه الشبكات لتونس وليبيا من أجل التوسّع.
يسري الدّالي : من سرّب الفيديو إرهابي يجب محاكمته بمُحاكمة الإرهاب
*ماهو موقفك من تسريب الفيديو الذي يحمل اِعترافات الإرهابي زياد الغربي؟ وماهي قراءتك لحادثة التسريب؟
من سرّب الفيديو لا يُمكن أن يكون إلاّ شخص أراد أن يبعث رسائل إمّا لشركاؤه أو تمّ توجيهه دون أن يشعر لذلك. بالنسبة لي هذا التسريب يجعلني أطرح العديد من التساؤلات التي لا أريد الإجابة عنها مثلاً ماهي غاية من سرّب هذا الفيديو؟، هل أراد بعث رسالة طمأنة؟ لماذا تمّ تمرير ذلك الجزء فقط من التحقيق؟.
هذه الأسئلة وغيرها أطرحها لأنّ التحقيق مع الإرهابي دام عشر ساعات في حين أنّ التسريب كان أقل من دقيقة ويحتوي على هذه الأسئلة فقط "أين كنت ومن أين خرجت صباحاً، من كان معك، هل تسكن في منزلك أو لا وهل عائلتك لها علم بجريمتك؟" وهذا يجعلني أقول أنّ هذا التسريب كأنّه رسالة موجهة تقول أن هذه هي الأجوبة التي سيقولها الإرهابي.
*من يتحمّل هذا التقصير ؟
من سرّب الفيديو في إعتقادي إرهابي يحب محاكمته بمُحاكمة الإرهاب مهما كان سواء محامي أو أمني أو عامل مدني ومهما كانت رتبته وخطته. يجب معاقبة المسرّب وكل مسؤول متواجد هناك حينها يجب معاقبته وتحمّل مسؤوليته لأنّه إذا تواصلت هذه التسريبات ستكون عار على تونس وعلى أمنها.
عملية التسريب بحدّ ذاتها عملية إرهابية توازي العملية الارهابية التي قام بها مُنفّذ عملية الطعن. برأي الخطير في هذا الأمر هو أسباب التسريب. أناشد وزير الداخلية لفتح بحث إداري بالتوازي مع البحث القضائي وإيقاف كل المسؤولين الذي ثبت تورطهم في هذه الحادثة.
فمثلاً خلال التحقيق مع العناصر الإرهابيية لا يجب إدخال الهواتف، ومن الضروري معاقبة كل شخص يحاول إدخال هاتفه حتى.
*موقفك من تطبيق حكم الإعدام على الإرهابيين في تونس ؟
أنا كدكتور علم نفس وخلافاً للكثير من الأخصائيين النفسيين، منذ 2011 و2012 كنت أقول أني مع الإعدام ومع إعدام كل شخص بالثابت والدليل مثل إرهابي عملية الطعن بباردو الذي قُبِض عليه بالدليل ودون أي شك في أنه مقترف هذه الجريمة، هنا من رأيي القضاء يحكم بالإعدام ويقع تنفيذه.
الدّالي : أقترح "مجلة للإجراءات الأمنية" كحلّ لحماية الأمنيين وضمان حقوق المواطن.
*مشروع قانون زجر الإعتداءات على الأمنيين يطفو من جديد على السطح بنفس الصياغة والمحتوى رغم ما قُدِم من اِحترازات ومعارضة عليه، ماهو تعليقك ؟
مشروع القانون بالشكل الذي قُدِم به شخصياً أراه غير مقبول والأصل هنا في القانون عدد 4 لسنة 1969 مؤرخ في 24 جانفي 1969 والمُتعلّق بالاِجتماعات العامّة والمواكب والاستعراضات والمظاهرات والتجمهر.
كما دعوت في 2011، فإنني أُجدد دعوتي لإعداد مجلة الإجراءات الأمنية التي تُنظّم فيها الإجراءات المُتعلّقة بكل اختصاص أمني وكيفية التدّخل. فإذا كان هناك إشكال أنّ الأمني لا يُمكنه حماية نفسه وفي حاجة إلى نصوص واضحة فهذه المجلة يُمكنها حمايته دون استغلال أي حادثة للمُطالبة بحمايتهم.
وبالتالي أنا مع حماية الأمنيين بمُناسبة أدائهم لمهامهم سواء فردية أو في وضعيات تجمهر أو اجتماع عام، والنقابات الأمنية دورها تقديم مثل هذه المشاريع لحماية منخرطيها ومن المفروض التفاوض مع الأمنيين في طلباتهم وعدم ممطالتهم .
* كيف ستُنظم هذه المجلة الأسلاك الأمنية ومالذي تضمنه؟
الدّولة يجب أن تراجع القوانين وفي إطار هذه المراجعة اِقترحتُ هذه المجلة التي ستُمكّـِن الأمنيين من القيام بمهماهم وواجباتهم في ظروف طيبة وستمكنهم أيضاً من إطار يحميهم ليس بصفة شخصية إنمّا كجهاز أمني يجب حماية نفسه وحماية أعضائه من كل أنواع الإزعاج والعقبات التي تمنعه من أداء عمله. ولهذا يجب مراجعة القانون عدد 4 لسنة 1969 الذي لم يعد يتماشى لا مع متطلبات الواقع ولا حقوق الانسان ولا حتى حق العمل الأمني في حد ذاته، مجلة الإجراءات الأمنية يُمكنها أن تحمي الأمني وتضمن حقه وتُجبره في ذات الوقت على القيام بمهامه طبق القوانين والتراتيب الجاري بها العمل وفي كنف حقوق الإنسان، وتنص على العقوبات التي تنتظره إذا أخل بواجباته كما تنص على العقوبات التي تنتظر كل شخص هتك حقه.
كما تضمن هذه المجلة حماية المواطن من الاِعتداءات التي تطاله من قِبل الأمنيين ولا تضمن علاقة الأمني بالمواطن فقط بل تشمل علاقته مع السلطة والجهاز الأمني، وبالتالي ستكون "مجلة الإجراءات الأمنية" حل لحمايته.
*ما مدى تأثير الوضع في سوريا وليبيا وغيرها من المناطق التي تعيش أوضاع ساخنة على تونس؟
الوضع في سوريا وليبيا وغيرها له تأثير مباشر على الوضع في تونس طبعاً.