سياسة

أسعار النفط و المتغيرات الدولية

بشير الجويني | الاثنين، 15 ديسمبر، 2014 على الساعة 10:45 | عدد الزيارات : 8150
تشهد أسعار النفط منذ أشهر تراجعا جعل عددا من الدول الأفريقية المنتجة للنفط في حالة ترقب و حذر خاصة أن هذا التراجع يتزامن مع نهاية السنة و إعداد ميزانيات بلدان تتفاوت من جهة الموارد و الحاجيات.

 بتتبع أسعار النفط نشهد أن سعر خام برنت تراجع من أكثر من 100 دولار قبل 3 أشهر ليلامس بالكاد الثمانين دولارا مستفيدا من ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري المستخرج في الولايات المتحدة و من رجوع حقول النفط في ليبيا إلى مستواها المعهود تقريبا و خاصة من مواصلة الممكلة العربية السعودية إغراق الأسواق بخامها.

ما يهم بلدان المنطقة (العربية) و من ورائها بلدان القارة السمراء في كل هذا هو مواصلة ارتفاع كلفة الإستخراج مقارنة بما أوردناه أعلاه من تقهقر لأسعار النفط تدفع ثمنه بلدان بنت ميزانياتها في جزء كبير منها على الذهب الأسود و نذكر بالخصوص كل من : نيجيريا و أنغولا و الغابون و الكونغو و التي تملك مجتمعة نصيب الأسد من منصات الإستخراج التي تضررت بما حصل فيما تبقى كل من الجزائر و ليبيا مثلا أشد الدول تأثرا للاعتماد الكلي على النفط في الميزانية.

هذا التقلب في الأسعار لن يستفيد منه في المدى المنظور إلا الشركات الكبرى متعددة الجنسيات التي تدير التنقيب و تتحكم فيه في القارة كاملة و بعد ذلك تأتي شركات الطيران التي ستسجل وفق دراسات موثوق فيها أرباحا صافية تقارب 15 مليار دولار ثم يأتي المستهلكون الذين ستنخفض أسعار النفط في محطات البنزين بما يحسن من مقدرتهم الشرائية.

يفسر مختصون الفارق الزمني بين انخفاض الأسعار في لندن و غيرها من أسواق البترول و بين انخفاضه لدى المستهلكين خاصة في دول إفريقيا السمراء بغياب مصافي التكرير في هذه البلدان و باحتكار كبرى الشركات المتعددة الجنسيات لسوق النفط استخراجا و تكريرا و توزيعا.

أرقام و دلالات

نورد فيما يلي بعضا من الأرقام المعبرة عن التداخل بين الاقتصادي و الديمغرافي و المعطى الدولي بما يساهم في تجلية بعض الضبابية على هذا المشهد : سوق الطاقة

1- 50 دولار للبرميل : هو السعر المرجعي الذي تعتمده دولة الكويت في وضع ميزانياتها و بالنظر إلى كل التقلبات نستنتج الآتي : دولة الكويت مما لا تعنيه هذه الاضطرابات اقتصاديا إلا من جهة التبعات السياسية لتأثيرها على حلفائها

2- 60 دولار :هي تكلفة برميل الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة الأمريكية و هو رقم يشترك عدد من المختصين في وجوب الوقوف عنده من جهة أهم تبعاته و الأسئلة التي تُطرح استنتاجا عنه : لم تكلف الولايات المتحدة نفسها كل هذا العناء و باطن أرضها فيه من الوقود الأحفوري (غاز الشيست/الغاز الصخري) ما يمكنها من عقود من الطاقة المجانية؟ و كيف تقبل هذه التقنية التي أثار حولها نشطاء من الخضر جدلا كبيرا؟

3- 79 دولار : هو السعر الحالي لخام برنت و هو الأدنى منذ 13 سنة.لم تواصل الدول الأعضاء في أوبك هذا النهج؟ و في صالح منه؟

4- 95 دولارا للبرميل: هو السعر المرجعي لميزانية الكونغو,تحت هذا السعر لا يمكن لهذا البلد أن يفي بحاجياته الأساسية و أمر يشترك فيه مع الغابون +2 و أنغولا+3 و هي بلدان تشهد استقرارا سياسيا هشا و حكما غير رشيد (ترتيب المنظمة العالمية للشفافية) مما يطرح تساؤلات عن منتهى استفادتها من هذا القطاع الحيوي

5- 100 دولار للبرميل : السعر المناسب للبترول الكندي,رغم أن كندا لا تعتمد على البترول بشكل أساسي إلا أن استثماراتها فيه متنامية (شمال أفريقيا و نيجيريا)

6- 110دولار للبرميل: تحت هذا السعر تكون ميزانية ليبيا منخرمة و هو ما يحصل حاليا أضف إليه حالة التنازع بين السلطتين (سلطة طرابلس/سلطة طبرق) و دخول المؤسسة الوطنية للنفط محل الخلاف و النزاع حول الأحقية بالتمثيلية (ما شهده مؤتمر فيينا مؤخرا مثلا) ,كما يجدر التذكير بالأشهر التسعة التي كانت فيها أبرز المواني الليبية مغلقة (الزويتينة,الحريقة,حقل الشرار,حقل الفيل) و غيرها مما أنتج حالة من العجز لازالت ليبيا تعاني تبعاتها في ظل ما ذكرنا : هل ستبقى القوى الإقليمية و الدولية تنظر إلى النفط الليبي ينسكب في براميل تنقلها سفن مشبوهة؟(مونت غلوري السفينة التي ترفع علم كوريا الجنوبية و التي تنقل نفطا رجل أعمال خليجي و التي تم توقيفها في عرض البحر)

7- 119 دولارا للبرميل : هذا هو سعر التوازن الاقتصادي اللازم لميزانية نيجيريا و رغم ما يٌشاع في أوساط المختصين من أرباح تحققها الدولة في معاملاتها و من تدفق الإستثمارات إلا أن الإستغلال الفاحش و عدم مراعات خصائص البيئة المحلية اثار في المدة الأخيرة حملات إعلامية كبيرة على شركات متعددة الجنسيات (توتال الفرنسية مثلا) طابت فيها الصحافة المحلية بخروج "المستعمر الجديد" على حد وصفها من الأراضي النيجيرية.

8- 121 دولارا للبرميل : تحت هذا السعر ميزانية الجزائر في خطر و هو ما يتضاعف إذا علمنا حالة الترقب لدى الأوساط خاصة فيما يتعلق بقدرة رأس الدولة الذي يقود عهدة رابعة على إدارة الشأن العام و المخاوف من تمرير دستور تسلطي و هنا نلحظ العلاقة الوثيقة بين السياسي و الاقتصادي.

9- 130دولارا للبرميل : هذا السعر يضمن التوازن لميزانية إيران و بزيادة 30 دولارا لفينزويلا : هذان البلدان بالإضافة إلى روسيا هي البلدان التي تتأثر(أكثر من غيرها) بشكل كبير للعلاقة المتوترة مع أبرز صناع قرار الطاقة عموما و النفط بالخصوص و يُقصد بهم أساسا اكسون موبيل و شال و بريتش بيتروليوم و شبفرون و توتال و فيليبس.

فهل تشهد الأيام القادمة استقرار للأسعار و مواصلة صمود دول الأوبك طمعا في المحافظة على الحصة المعروفة من السوق العالمي؟

أم أن التقلبات السياسية ستلقي بظلالها على أسعار النفط؟

كلمات مفاتيح :
تونس سعر النفط