زووم تونيزيا
| الأربعاء، 13 مارس، 2013 على الساعة 21:19 | عدد الزيارات : 1123
امتدت الحضارة الإسلامية من القرن السادس الميلادي إلى مشارف عصر النهضة مهتدية بتوجيهات القرآن والسنة…
لداعية إلى عمارة الأرض والقيام بواجبات الاستخلاف فيها،فأخذ المسلمون في القرن الهجري الثاني (751م) تلك الحضارة وطوروها، وانتشرت لديهم الورقة والوراقون، وأضافوا الصفر ونشروا الأرقام وبرعوا في مختلف صور الحساب والهندسة، وابتكروا علوم الجبر وحساب المثلثات واللوغارثمات.
وهذا كله أحدث نوعا من النماء الاقتصادي في المجتمعات المسلمة فظهرت كتابات عن علم الاقتصاد مثل ما كتبه أبو عبيد القاسم بن سلام، في الأموال وكتاب أبي يوسف في الخراج ، ويحي بن آدم، ومحمد بن الحسن في الكسب، ويحي بن عمر في أحكام السوق، والوصابي في البركة، والغزالي في الإحياء، والطرطوشي في السراج، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مؤلفاته المتنوعة، ويرى غير واحد من الباحثين أن كتابات ابن خلدون الاقتصادية في المقدمة التي ظهرت سنة 784هـ ) فيما بين القرن الثالث عشر والرابع عشر الميلادي)، هي صورة مماثلة لكتابثروة الأمم الذي كتبه أبو الاقتصاد الحديث آدم سميث سنة 1776م، وأنه رغم أن ابن خلدون سبق آدم سميث بخمسة قرون فقد بحث في مقدمته مقومات الحضارة ونشوئها، وإنتاج الثروة، وصور النشاط الاقتصادي ونظريات القيمة، وتوزيع السكان وأنه لا يختلف الكتابان إلا اختلافا بيئيا. وهذا يدل على سبق الحضارة الإسلامية في مجال تأصيل مبادئ علم الاقتصاد الغربي ويؤكد أسبقية ابن خلدون وريادته في علم الاقتصاد على المحدثين. ويـؤكـد ذلك كلام الدكتور شوفي أحمد دنيا حيث يقول: "يصح أن يقال عن فكر الاقتصادي – ابن خلدون – هو فكر إسلامي كما أنه في الوقت ذاته ونظراً لضخامة وأهمية ما قدمه في الجانب التحليلي يحتل مرتبة رائد رواد علم الاقتصاد".
وابن خلدون نفسه يقرر هذه الحقيقة بقوله: "وأعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة، غريب النزعة، غزير الفائدة". ويقول: "وقد استوفينا من مسائل ما حسبناه كفاية ولعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله بفكر صحيح وعلم مبين يغوص في مسائله على أكثر مما كتبناه".فليس على مستنبط الفن إحصاء مسائله إنما عليه تعيين موضوع العلم, وتنويع فصوله, وما يتكلم فيه، والمتأخرون يلحقون المسائل من بعده شيئاً فشيئاً إلى أن يكتمل.
وبهذا يضع ابن خلدون أسس المنهج وقضاياه الكلية وقواعده الرئيسية، ثم يترك لمن بعده التكملة على ذات النمط، وهذا ما فعله من جاء بعده. يقول د. محمد صالح عميد كلية الحقوق بالقاهرة سابقاً في دراسة عن الفكر الاقتصادي العربي في القرن الخامس عشر: "إن كتابات ابن خلدون والمقريزي والعيني والدلجي في أواخر القرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر الميلادي تعتبر نقطة البدء للمدرسة العلمية في الاقتصاد الحديث.ومما لاشك فيه أن الأوروبيين أخذوا من علوم الحضارة الإسلامية الشيء الكثير، خاصة في النواحي المنهجية في البحث والأسلوب العلمي في التفكير ومعالجة الأمور، وقد استمر التقدم العلمي والتقني في العالم الإسلامي حتى تعرض للهجمة الاستعمارية في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.