مقاﻻت رأي

التيارات السياسية في الجامعة : التطور التاريخي، الخطاب والممارسة والعلاقة مع الأحزاب

علي عبد اللطيف اللافي | الجمعة، 27 فيفري، 2015 على الساعة 01:10 | عدد الزيارات : 16095
بينت انتخابات المجلس العلمية الأخيرة أن الساحة الجامعية مازالت تتفاعل بناء على التطورات السياسية والثقافية والاجتماعية وتتفاعل أيضا بناء على المتغيَرات الإقليمية والدولية المؤثرة بدورها في البنى الفكرية والتنظيمية للأحزاب والعائلات السياسية. ولكن ما هي عمليا أهم التيارات السياسية الناشطة في الجامعة التونسية ماضيا وحاضرا وكيف تطور مسارها التاريخي وما هو واقعها اليوم؟

 الطلبة الدستوريون مسار تاريخي مُتقلب ووضع راهن مُتسم بالغموض

منذ تأسيس "الحزب الحر الدستوري التونسي" بقيادة الشيخ عبد العزيز الثعالبي، انتمى للحزب أغلب الطلاب الدارسين في المشرق وفي فرنسا وفي كل البلدان الأوروبية يومذاك، بل وكانوا الفاعلين الرئيسيين في تأسيس الفروع والدعوة للحزب ونشر أفكاره ومطالبه على غرار فرحات بن عياد الذي قاد انشقاقا داخله تحت مسمى "الحزب الدستوري المستقل" ثم عاد عن ذلك وانضم لقيادة الحزب من جديد، وبحدوث انشقاق في الحزب بقيادة مجموعة "العمل التونسي" (الماطري – بن يوسف – بورقيبة ورفاقهم) في 02 مارس 1934 استطاع الحزب الدستوري الجديد استيعاب أنصار الحزب من الطلاب بل وتـأسيس فروع طلابية في مختلف الجامعات الأوربية ،  ومنافسة الحزب الشيوعي التونسي في استقطابهم بينما بقي الحزب القديم نخبويا بالأساس وأدى في الأخير إلى غيابه الكلي...

ورغم التجاذب الحاصل مع منظمة "صوت الطالب الزيتوني" حول عدد من القضايا الثقافية والسياسية فقد أسس "الطلبة الدستوريون" رفقة بقية التيارات منظمة طلابية تحت مسمى "الاتحاد العام لطلبة تونس" في رحاب الجامعات الفرنسية بالذات بداية من سنة 1952 ثم أحكم الدساترة سيطرتهم على المنظمة إلى سنة 1971 في مؤتمر قربة المثير للجدل والذي اضطر فيه الحزب الحكام للقيام بانقلاب على نتائج المؤتمر بعد خيبتهم الانتخابية فيه،  وبالتوازي مع ذلك  بعث الحزب الحاكم منظمة للطلبة الدستوريون سُميت باسم "الطلبة الاشتراكيون الدستوريون" والتي كانت تنظيما سياسيا طلابيا خاصا بهم إضافة إلى تواجدهم في المنظمة الطلابية الوحيدة أنذاك والتي واصلوا عقد مؤتمرات لها إلى سنة 1988 تاريخ عقد المؤتمر 18 الخارق للعادة على اعتبار أن مؤتمر قربة سنة 1971 لم يتم أشغاله، وقد ترأس التنظيم الطلابي سنة 1974 مثلا رئيس حزب المبادرة الحالي كمال مرجان في ما كان من قياداتها مثلا الإعلامي لاحقا عبد العزيز الجريدي...

وفي عهد الرئيس المخلوع تم تغيير التنظيم الحزبي إلى اسم "منظمة طلبة التجمع" والذي أسندت رئاستها إلى محمد الغرياني القادم من إحدى التنظيمات البعثية، والذي أصبح لاحقا الأمين العام للحزب الحكام (التجمع) في ما ترأسها من بعده العديدون ومنهم حسونة الناصفي ( نائب نداء تونس حاليا عن جهة قابس)  

          

التيارات اليسارية: الإنقسامات على قاعدة الإيديولوجي

 

استطاع الحزب  الشيوعي خاصة بعد تونسته سنة 1937 استقطاب العديد من الطلاب في هياكله التنظيمية ولكن مع ظهور تنظيمات يسارية أخرى انظم العديد من الطلبة اليساريين لمنظمة "كفاح" التروتسكية مثلا بعد انتقادهم لتاريخ الحزب ومواقفه السابقة ( اعتباره الحركة اليوسفية حركة فاشستية واصطفافه مع بورقيبة)، وبظهور تنظيمات اليسار الجديد اجتذبت الطلبة اليساريين والذين كانوا من مؤسسي "بريسبكتيف" سواء في فرنسا أو في مؤتمر مدينة الشراحيل ( زرمدين – المنستير ) في صائفة 1963 بل و استطاع الطلاب اليساريين تأثيث نشرية "آفاق" ثم  لاحقا تأثيث نشرية "العامل التونسي"، وهو ما مكنهم من السيطرة على هياكل "الاتحاد العام لطلبة تونس" في بداية السبعينات رغم انقلاب الحزب الحاكم سنة 1971 كما أسلفنا شرحه سابقا، وبحدوث الخلافات داخل "برسبكيتف" على خلفية قراءة الوضع العربي وعلاقة تونس بالأمة العربية وطبيعة المجتمع التونسي ساهم العديد من الطلاب في قيادة وريث المنظمة أي "العامل التونسي" وكانوا الأغلبية في محاكمة 1974 المعروفة بمحاكمة الـــ202، وبحدوث الانقسامات بين خطوط العامل التونسي انتمى الطلاب في أغلبهم إلى شُقي الخط السائد(والذي كانت عناصره النواة الأساسية المؤسسة لـــ"البوكت") وخط المراجعون (الذين أسسوا لاحقا "التجمع الاشتراكي التقدمي" ثم " الحزب الديمقراطي التقدمي" ثم "الجمهوري" حاليا) و سيطر هؤلاء على جزء كبير من الهياكل النقابية المؤقتة ( فيدراليات الاتحاد العام لطلبة تونس في مختلف الكليات الكبرى)...

كما انضم العديد من الطلاب في فرنسا وتونس إلى تنظيم الشعلة المتأتي ولكن ونتاجا للموقف من الماوية ونتاجا لما حدث في التنظيمات الماركسية الفلسطينية وإسقاطات ذلك على التنظيم في تونس ظهرت مجموعات "الأوطاد" والتي اختفت لاحقا ليبقى منها فصيلي "الوطد" و"الوطج" (تنظيم من قادته المرحوم شكري بلعيد) والذين ظهروا في منتصف السبعينات واستطاعوا البروز في الساحة الجامعية مع نهاية السبعينات وبداية الثمانيات ودخلوا في صراع مع التنظيم الطلابي للعامل التونسي (أي "النقابيون الثوريون") والذي تشتت ولائه بين تنظيم العامل التونسي الرسمي وبين حزب نجيب الشابي أنذاك "التجمع الاشتراكي التقدمي"....

وبتأسيس "حزب العمال الشيوعي التونسي" بقيادة حمة الهمامي ومحمد الكيلاني ورفاقهم، أسس طلاب في نفس السنة أيضا تنظيما شبابيا تحت مسمى "اتحاد الشباب الشيوعي التونسي" والذي استطاع استقطاب وتسيير التنظيم الطلابي "النقابيون الثوريون" والذين صارعوا الوطج في الساحة الجامعية بعد المؤتمر 18 للمنظمة الطلابية وتواصل الصراع والتجاذب بين التيارين السياسيين الطلابيين حتى المؤتمر 21...

         ومع بداية ملاحقة قيادة حزب العمال في منتصف التسعينات حدثت داخله صراعات بين قياداته الثلاث أي حمة والكيلاني و المرحوم الطاهر قرقورة (الرجل الأول في التنظيم الشبابي للحزب) والذي أسس لاحقا تيار "النقابيون الراديكاليون" والمعروف باسم "النقرود" في ما أسس طلبة الكيلاني ما يعرف بالكتلة وانضم إليه الأمين العام للمنظمة عاصف اليحياوي وأصبحت المنظمة الطلابية في تجاذب بين المكونات الثلاث وخاصة في ظل اختفاء شبه كلي للـ"وطد" و "الوطج" و البعثيين والماركسيين الثوريين (طلبة التنظيم التروتسكي في تونس)  وبقية الفصائل والتي اختفت بخروج زعمائها من الساحة الجامعية، رغم ظهور بعضها  من جديد في وقت لاحق...

وعرفت هذه التنظيمات عودة للساحة مع بداية الألفية ولكن عادت التجاذبات بينها حول العلاقة بين النقابي والسياسي وأصبحت الانقسامات خُبزا يوميا وطالت حتى تنظيم "النقرود" خاصة بعد وفاة المؤسس الطاهر قرقورة وعودة حزب العمال للساحة الجامعية.

القوميون: التعدد والتفاعل والتشتت

 مع ظهور الخلاف اليوسفي البورقيبي انضم العديد من الطلبة للحركة اليوسفية وناصروها خاصة وأنها استطاعت كسب العديد من الطلاب الدارسين في المشرق العربي وفي مصر تحديدا...

  • الطلبة البعثيون: انتمى العديد من الطلبة التونسيين إلى حزب البعث بشقيه السوري والعراقي بل أن بعضهم أصبح قياديا في الحزب على غرار محمد بلقاسم كرو والصادق العبيدي وانقسم التنظيم في تونس بين الشقين فناصر مسعود الشابي ورفاقه البعث العراقي وأصبح الشابي عضوا في القيادة القومية في ما ناصر محمد صالح الهرماسي ورفاقه الشُق السوري وأصبح الهرماسي يحضر مؤتمرات القيادة القومية في سوريا إلى حد الآن، وفي ما عرف البعث السوري بقربه من اليسار الماركسي والنشاط السري في بقية الأحزاب وعدم الميل إلى تأسيس تنظيم طلابي منفصل، أسس البعث العراقي تنظيمين طلابيين هما: "رابطات العمل الجماهيري" و"الطليعة الطلابية العربية" وهذه الأخيرة كانت مرتبطة بالعراقيين وساندها كل من فوزي السنوسي ومسعود الشابي والمرحوم الصادق الهيشري كما دعم تنظيم حركة البعث السري الطلبة البعثيين ماديا ومعنويا ولوجستيا مما مكنهم أن يكونوا طرفا فاعلا في المؤتمر 18 سنة 1988 رغم كونهم من مبتكري فكرة التأسيس التي تبناها الإسلاميون، ورغم الاختفاء القسري لمدة سنوات فقد عاد الطلبة البعثيون من بوابة تنظيم الطلبة القوميون  مع سنة 2000 وبقوا طرفا فاعلا في الحراك الجامعي قبل وبعد الثورة...

 

  • الطلبة الناصريون والعصمتيون:

        ظهر العديد من الطلبة الناصريين في رحاب الجامعة التونسية بعد إعدام قادة محاولة 1962 وتم تأسيس تنظيمين ناصريين في بداية السبعينات وهما "حركة الوحدويون الأحرار" "الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس" وقد ساهم الطلاب التونسيين في أنشطة التنظيمين في ليبيا وفي تونس بشكل سري وأيضا شارك بعضهم في عملية قفصة في جانفي 1980 كما أسس بعضهم تنظيم "الاتحاد العام التونسي للشغل- تنظيم ليبيا" سنة 1985، وقد حاول أحد مناضلي الجبهة القومية تأسيس تنظيم "الطلبة الاشتراكيون"، كما تم في منتصف السبعينات تأسيس تنظيم "الطلبة العرب التقدميون الوحدويون" كتنظيم طلابي ناصري وعصمتي، و وهو تنظيم كان فاعلا ومؤثرا في إثارة القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية ورغم رفضه للعمل النقابي حتى متصف التسعينات فانه كان يتواجد بقوة في أغلب الكليات الكبرى...، وقد حاول عبد الرحمان التليلي استقطاب بعض قياداته وتـأسيس تنظيم طلابي تابع لحزبه "الاتحاد الديمقراطي الوحدوي" (والمؤسس سنة 1988 بعد خروجه من اللجنة المركزية للتجمع المنحل)، ولكنه لم يفلح في ذلك في ما انتمت إليه بعض العناصر لاحقا وبشكل فردي في نهاية التسعينات أو بعد  التحاق المحامي أحمد الأينوبلي بقيادة الحزب سنة 2004 باعتباره كان قياديا سابقا في التنظيم الطلابي الناصري...  

كما تواجد "تنظيم طلبة اللجان الثورية" أي الذراع الطلابية لتنظيم اللجان الثورية والمعروف بـــ "مثابة تونس" وهو تنظيم تابع لنظام القذافي بشكل مباشر وقد حوكمت عناصره سنة 1993 وتم إطلاق سراحهم بعد أشهر ثلاث...            

 

الإسلاميون: فاعلية تاريخية وتراجع في النشاط الثقافي والاجتماعي

مثل غلق جامع الزيتونة صدمة لكل التونسيين وخاصة للمنتصرين للثقافة الإسلامية وكان الغلق رافدا أساسيا لذوي الميولات الإسلامية من الانضمام للتيار الإسلامي الناشئ بناء على المكونات الثلاث الرئيسية والمؤسسة له ( المتأثرون بالإخوان – الإسلام التقليدي – بقايا الزواتنة) ، وبالتالي استطاع المؤسسون بناء تيار إسلامي و استقطبوا العديد من طلاب تونس في الجامعات الفرنسية (شورو – الدولاتي – بن سالم – الجبالي...) وبعض الدارسين في بلدان المشرق بل واستطاعوا إيجاد خلايا في الجامعات التونسية واستقطاب حتى بعض اليساريين والقوميين السابقين ( حبيب اللوز – العربي الزايري...) وتواجدوا في الساحة الجامعية بشكل سري منذ المؤتمر التأسيسي للجماعة الإسلامية في أفريل 1972، بل أن الحاضرين كانوا في أغلبهم طلابا يومها ثم أعلنوا تواجدهم الرسمي في الساحة الجامعية في ديسمبر 1977 عبر تجمع عام في كلية الحقوق معلنين تأسيس تنظيم طلابي تحت مسمى "الاتجاه الإسلامي" والذي كثف من أنشطته وأنجز دراسة "التأسيسي" ومر إلى درجة الفعل القصوى والاستقطاب اليومي وقدم قراءته للمسالتين النقابية والثقافية ورغم تصدي اليساريين له عبر أشكال عدة وتوزيع نص الديناميكية داخل تنظيماتهم و المرور الى منطق الاستئصال الميداني عبر ما عرف بمجزرة منوبة 1982، فان التنظيم الإسلامي أحسن قراءة الساحة وقدم الميثاق الطلابي واستطاع مع تيارات سياسية ناشئة وصغيرة انجاز المؤتمر العام للحسم وتـأسيس منظمة بديلة وهي "الاتحاد العام التونسي للطلبة" واستطاع التنظيم الطلابي الـتأثير في قرارات قيادة الحركة الإسلامية وخاصة في البعد الثقافي وكان القيادة الطلابية حاضرة في كل مؤتمرات الحركة(منوبة – سوسة المنار- سليمان...) و هو ما سهل لاحقا لها تعويض تنظيم الحركة كلم تم شله من طرف الأجهزة الأمنية، واستطاع التنظيم الطلابي من خلال نشرية الحدث الحائطية التأثير الإعلامي والثقافي وما مكنه من تفادي الانقسامات التي عرفتها بقية التيارات الطلابية رغم الانسحابات الفردية داخله، بل وتماسك التنظيم في مواجهتي 1987 و 1991 ورغم السجون والمنافي، استطاع التنظيم العودة عبر تفعيل تنظيم طلابي عرف باسم "الطلبة المستقلون" (بن سالم – المحضي ...) بعد محاولات محتشمة للعودة بداية من سنة 2000 ثم مع خروج قيادة النهضة استطاعت إيجاد خلايا للنشاط الطلابي توجت بعد الثورة بإعلان تنظيم عرف باسم "شباب النهضة بالجامعة" يضم آلاف الطلبة المنتمين لنهضة يقوده الطالب وعضو المكتب التنفيذي للحركة "زياد بومخلاء"، وأصدر التنظيم مجلة تُعبر عن مواقفه وتوثق لأنشطته كما عقد مؤتمرا انتخبت قيادة طلابية للتنظيم الطلابي ....

وتتوقف اليوم مستقبل التنظيم الطلابي على مستقبل الوحدة التنظيمية للحركة وطبيعة خيارات المؤتمر القادم للحركة ورؤيتها الثقافية والفكرية ودور الشباب فيها ...

 

 أي مستقبل للتيارات السياسية في الجامعة؟

يبقى مستقبل العمل السياسي والنقابي بالجامعة رهين استقرار المشهد السياسي بالبلاد أولا ونضج التيارات العاملة حاليا في الساحة الجامعية، كما يعكس حجم المشاركة الضعيفة في انتخابات المجالس العلمية والتي لم تتجاوز 17 % من حوالي نصف مليون طالب، ضعف العمل السياسي والنقابي وضعف التيارات الطلابية التي شهدت خلال السنوات الماضية تراجعا كبيرا في شعبيتها، وهو ما يتطلب تغيير العقلية والخطاب لدى أغلب التيارات السياسية والنقابية التي غيبت هموم الطالب ومشاكله من خطابها السائد.

       

--- جريدة الفجر عدد 27 فيفري 2015 ---