مقاﻻت رأي

الاعلام التونسي و اعادة انتاج منظومة الفساد والاستبداد

لطيفة شعبان | الجمعة، 12 ديسمبر، 2014 على الساعة 09:15 | عدد الزيارات : 2561

الذكرى الرابعة لاندلاع شرارة الثورة التونسية على الأبواب، وبعض وسائل الاعلام تصر كل يوم على تذكيرنا بماضي ما قبلها، ماضي الفساد و الاستبداد، كل يوم يثبت اعلاميو البلاط النوفمبري أنهم أوفياء كل الوفاء لنظام رفضه التونسيون وثاروا ضده، نظام لفظه الشعب التونسي بعد أن اذاقه من المر ألوانا. ثورة شعبنا ضد هذا النظام الفاسد لم ترُق لإعلاميينا، الذين انبروا على المنابر الاعلامية المأجورة ينغصون على الشعب فرحته بانجازه. اربعة سنوات تمر ونحن ننتظر بلا يأس أن يستفيق هؤلاء و يصطفوا الى جانب خيارات شعبهم. في كل الدول في العالم تقف وسائل الاعلام الى جانب خيارات شعوبها وتثمن انجازاتها، لكن يبقى المثال التونسي استثناء، اعلام يحن لماض رفضه شعبنا، اعلام يقف سدا منيعا أمام كل تقدم بالثورة التونسية الى الأمام، ويسعى بكل الوسائل لإعادتنا الى رحاب الدكتاتورية والاستبداد. كل مساء تنبري ال"بلاتوهات" المشبوهة لتوجيه الرأي العام التونسي في اتجاه النقمة على الثورة والثوار، حتى غدى جزء من الشعب الذي خرج يوما الى الشارع وقال "لا للطاغية" يتمنى اليوم العودة الى ما قبل تلك المرحلة. لقد وظفت وسائل اعلامنا العمومي، والتي نمولها من قوت يومنا، وبعض وسائل الاعلام الخاصة المشبوهة المصدر والتمويل والأهداف، كل طاقاتها لارسال رسائل تتفه من الثورة ومن الثوار و من انجازات المرحلة الانتقالية التي عقبتها على أهمية ما أنجز، حتى غدى التلفظ باسم الثورة مبعث سخرية لدى جزء هام من شعبنا.


اليوم وفي خضم المعركة الانتخابية الرئاسية تنبري هذه المنابر وبكل قوة واصرار للدفاع عن عودة رموز النظام البائد الى واجهة المشهد السياسي في تونس. وقد نجحت في ذلك بصفة نسبية في الانتخابات التشريعية، حيث تصدر الحزب المستنسخ من "التجمع الدستوري الديمقراطي" والمتمثل في "حركة نداء تونس" نتائج الانتخابات، وان بفارق لايسمح له بتشكيل حكومة بمفرده. اليوم وبنفس المنهج والتمشي تلعب هذه المنابر دورها المشبوه لتصدير عجوز على اعتاب التسعين من العمر ليحكم شعبا أنجز ثورة أصبحت مثالا يحتذى به في باقي الدول العربية وحتى غيرها. بكل وقاحة ودون أدنى خجل، تسعى هذه المنابر الى تثبيت صورة الشيخ الهرم في ذهن التونسي بالتلميح حينا وبالتصريح في غالب الأحيان. 


آخر هذه المهازل ما كتب وبكل جرأة على صحيفة عرفت بولائها لولي نعمتها "مهندس" و"بطل" "الانقلاب النوفمبري" وخدمة له ولمن يمثله، وهي صحيفة "المغرب"،التي نشرت مقالا للصحفي الندائي الهوى "حمادي الرديسي" تحت عنوان 'كيف وطـأت أقدام المرزوقي قصر قرطاج" . ما ورد في المقال لا يدين الدكتور المرزوقي بل يدين خصومه من السياسيين ومن لف لفهم، المقال يدعي صاحبه الموضوعية وهو يسرد من منظور متحيز لهواه الندائي سيرة المرزوقي ويركز على مسيرته الحقوقية في صلب "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ليؤكد ان دخول المرزوقي هذا المجال كان "صدفة" ملمحا في نفس الوقت الى أن "أيادي خفية" قد تكون وراء دخوله ذلك المعترك، متناسيا ان المرزوقي أطرد من الرابطة بقرار من السلطة الغاشمة الرافضة لكل صوت حر، المحتكرة لكل منابر النضال ، و تناسى كذلك ان المرزوقي انما خانه رفاق الدرب من "الرفاق الحمر"، الرفاق الذين طالما لعبوا دور الاحتياطي الثوري لدولة الاستبداد والفساد، ولازالوا يلعبونه. الصحفي الندائي الهوى يستدل في مقاله بقرائن معتقدا أنها تدين المرزوقي مثل أحداث الرش بسليانة وتمسكه بالتحالف مع النهضة والتكتل في اطار حكومة الترويكا التي يعتبرها مورطة في قمع المتظاهرين بمناسبة ذكرى 9أفريل . لنسلم أن المرزوقي له كل هذه الأخطاء فهل سلم خصمه، الذي يستبطن "الرديسي" الترويج له، من الأخطاء؟؟


اذا كانت للدكتور المرزوقي أثناء الثلاث سنوات من حكمه أخطاء، وهو أمر طبيعي بالنسبة لمن عاش طيلة عقدين من الزمن منفيا ومطاردا، فان لخصمه مرشح النداء جرائم في حق هذا الشعب، فما ابعد الأخطاء عن الجرائم. هكذا هو اعلامنا الأغر، يقف الى جانب المجرمين في حق الشعب ويروج لهم على أنهم منقذين، ويشوه المناضلين ويضخم من أخطائهم، على تفاهتها، لتنفير الناخبين من التصويت لهم. مقال السيد الرديسي عينة لإعلام حاد عن طريق النزاهة والمهنية، وارتمى في أحضان عرابي الفساد والاستبداد، راميا عرض الحائط ارادة وطموحات هذا الشعب. مستهينا بانجازه التاريخي، اعلام لا يتوانى عن الترويج لرموز النظام البائد وابرازهم في صورة ملائكة الرحمة. 


أسئلة أسوقها لإعلاميينا المتلحفين بعباءة الحيادية والمنغمسين الى الاعناق في خدمة مرشح النظام الذي ثار ضده الشعب، الى متى تصرون على استبلاه التونسيين بتطبيق قاعدة "اكذب اكذب حتى يصدقك الناس" ؟ أم أن الطبع غلب التطبع؟؟ . هل ان ارتباطكم العضوي بمنظومة الفساد و الاستبداد يقف سدا منيعا أمام ارتباطكم بهموم شعبكم؟